يا من حكى الماء فرط رقته |
|
وقلبه في قساوة الحجر |
يا ليت حظي كحظ ثوبك من |
|
جسمك يا واحدا من البشر |
لا تعجبوا من بلى غلالته |
|
قد زرّ أزراره على القمر (١) |
فلو لا أن ابن العميد ادعى لغلامه معنى الشمس الحقيقي لما كان لهذا التعجب وجه ، إذ ليس ببدع ولا منكر أن يظلل إنسان حسن الوجه إنسانا ويقيه وهج الشمس بشخصه ، ولو لا أن أبا الحسن جعل صاحبه قمرا حقيقيا لما كان للنهي عن التعجب معنى لأن الكتان إنما يسرع اليه البلى حين يلابس القمر الحقيقي لا إنسانا بلغ الغاية في الحسن.
وأنت إذا أنعمت النظر رأيت حجة الجمهور دامغة وأنها أحرى بالقبول ، بيان هذا أن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لا يخرجه عن كونه مستعملا في غير ما وضع له ، وأما صحة التعجب والنهي عنه فلبناء الاستعارة على تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه به عين المشبه حتى تتم المبالغة ، إذ من الواضح أن أسدا في قولك : رأيت أسدا ، مستعمل في الشجاع ، والمعنى الموضوع له الأسد الحقيقي لا الادعائي ، فكأنك ادعيت أن للأسد صورتين ، إحداهما متعارفة وهي التي لها الإقدام والبطش في الهيئة المعروفة للحيوان المعروف ، وثانيتهما غير متعارفة وهي التي لها الجرأة والقوة ، لكن لا مع تلك الصورة ، بل مع صورة أخرى على النحو الذي ادعاه المتنبي في عد نفسه وجماعته من جنس الجن ، وعد جماله من جنس الطير حين يقول :
نحن ركب ملجن في زي ناس |
|
فوق طير لها شخوص الجمال |
مستشهدا لدعواه بما يتخيل عرفا من نحو حكمهم اذا رأوا إنسانا لا يقاومه أحد ، إنه ليس بإنسان ، وإنما هو أسد ، أو هو أسد في صورة إنسان.
والقرينة التي تنصب في الكلام تنفي المتعارف الذي يسبق الى الفهم ، وهو المعنى الأول ، وتعين ما أنت تستعمل له الأسد ، وهو ثاني المعنيين.
__________________
(١) البلى من بلى الثوب وقدم ، والغلالة ثوب صغير صبق الكمين كالقميص ، وزررت القميص عليه شددت أزراره ، وقد قيل : إن هذا تشبيه لا استعارة ، لأن المشبه مذكور ، وهو الضمير في : غلالته ، وأزراره.