انظر تر عجبا ، ألا تراه قد استعار الاقتيات لإذهاب الرحل شحم السنام ، وساعده التوفيق فيما عناه من قبل أن كان الشحم مما يصلح للقوت ، وأن الرحل أبدا ينتقص منه ويذيبه.
والغرابة على ضروب ، منها :
١ ـ أن تكون في الشبه نفسه ، كما في قول يزيد بن مسلمة عبد الملك يصف فرسا له بالأدب :
عودته فيما أزور حبائبي |
|
إهماله وكذاك كل مخاطر |
وإذا احتبى قربوسه بعنانه |
|
علك الشكيم الى انصراف الزائر (١) |
فقد شبه (٢) هيئة وقوع العنان في موقعه من قربوس السرج ممتدا الى جانبي فم الفرس بهيئة وقوع الثوب في موقعه من ركبتي المحتبى ممتدا الى جانبي ظهره ، ثم استعار الاحتباء وهو جمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره لوقوع العنان في قربوس السرج ، فجاءت الاستعارة غريبة كما ترى لغرابة الشبه.
٢ ـ أن تحصل بتصرف الاستعارة العامية ، كقول ابن المعتز :
سألت عليه شعاب الحي حين دعا |
|
أنصاره بوجوه كالدنانير (٣) |
فهذا تشبيه معروف ، لكنه تصرف فيه بأن أسند الفعل الى الشعاب دون ووجوههم ، وعدى الفعل الى ضمير الممدوح بعلى ، فأفاد اللطف والغرابة من حيث أبان أن الشعاب امتلأت من الرجال وغصت بها من كل ناحية وجانب.
٣ ـ أن تحصل بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل ، كقول امرىء القيس :
فقلت له لما تمطى بصلبه |
|
وأردف اعجازا وناء بكلكل |
فقد أراد وصف الليل بالطول ، فاستعار له اسم الصلب وجعله متمطيا لما هو مشاهد من أن كل ذي صلب يزيد طوله شيئا ما عند التمطي ، ثم ثنى واستعار
__________________
(١) القربوس مقدم السرج ، والعلك المضغ ، والشكيم الشكيمة الحديدة المعترضة في فم الفرس ، وعنى بالزائر نفسه ، دلالة على تأدب فرسه ، حيث يقف مكانه وإن طال مكثه.
(٢) ووجه الشبه إحاطة شيء بشيئين ، ضاما أحدهما الى الآخر ، على أن أحدهما أعلى والآخر أسفل ، والتشبيه بين مفردين باعتبار ما تضمنه كل منهما من الهيئة لا أنه واقع بين هيئتين.
(٣) يريد أن الممدوح مطاع في حيه اذا دعاهم لبوا نداءه زرافات ووحدانا.