فقد استعار الرداء للمعروف ، لأنه يصون عرضه كما يصون الرداء ما يلقى عليه من مكروه والقرينة تتمة البيت ، ثم وصفه بالغمر الذي هو وصف للمعروف لا للرداء على سبيل التجريد.
٣ ـ والمطلقة هي التي لم تقترن بصفة معنوية ولا تفريغ يلائم أحد الطرفين ، والفرق بينهما أن الملائم إن كان من تتمة الكلام الذي فيه الاستعارة فهو الصفة ، كما في قوله : تبسم ضاحكا ، وإن كان كلاما مستقلا جيء به بعد تمام الاستعارة وبني عليها فهو التفريغ ، نحو : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(١) ، بعد قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(٢).
(تنبيهات) أولها أنه اذا اجتمع الترشيح والتجريد كانت الاستعارة في حكم المطلقة كقول زهير :
لدى أسد شاكي السلاح مقذف |
|
له لبد أظفاره لم تقلم |
فشاكي السلاح هو حادة تجريد ، لأنه يناسب المشبه وهو الشجاع ، والمقذف إن أريد به في الوقائع والحروب كان تجريدا أيضا ، وإن أريد به المرمى باللحم كناية عن عظم الجثة والضخامة ، لم يكن لا تجريدا ولا ترشيحا لأنه يلائم كلا منهما ، وله لبد وهي الشعر المتراكم بين كتفي الأسد ترشيح ، وكذلك أظفاره لم تقلم لأن الأسد الحقيقي هو الذي ليس من شأنه تقليم الأظفار ، والقرينة كلمة لدى ، أو القرينة حالية ، ولدى تجريد إذ التجريد أو الترشيح إنما يكون بعد تمام الاستعارة بقرينتها ، ولذا لا تسمى قرينة الاستعارة التصريحية تجريدا ولا قرينة المكنية ترشيحا.
(ثانيها) : الترشيح أبلغ (٣) وأقوى من الإطلاق والتجريد ، لاشتماله على تقوية المبالغة وكمالها ، فإن المحور الذي يدور عليه الترشيح إنما هو تناسي التشبيه وادعاء أن المشبه هو المشبه به نفسه ، وكأن الاستعارة غير موجودة ، ألا ترى أن الناثر أو الشاعر يجدّ في إنكارها ، ويخيل الى السامع أن الأمر على ما يقول حقيقة ، ومن ثم وضع أبو تمام كلامه في علو المنزلة والرقي في خلال الشرف وضعه في علو المكان حين يقول :
__________________
(١ و ٢) سورة البقرة الآية ١٦.
(٣) الأبلغ في الحقيقة هو الكلام المشتمل على الترشيح لا الترشيح نفسه.