أسرار البلاغة في الاستعارة
الاستعارة بجميع ضروبها وتعدد مذاهبها وشعوبها ، أعلى مرتبة من التشبيه ، وأقوى في المبالغة منه ، لما فيها من تناسي التشبيه ، وادعاء الاتحاد بين المشبه والمشبه به ، كأنهما شيء واحد ، يطلق عليهما لفظ واحد ، انظر الى قول المتنبي :
ترنو إليّ بعين الظبي مجهشة |
|
وتمسح الطل فوق الورد بالعنم (١) |
تره وقد تمثلت له محبوبته ظبية تنظر اليه وهي حيرى تمسح طلا فوق خدها بأصابعها وهي كالعنم لينا وحمرة ، واختبأ عن عينيه مظهر التشبيه ، وظهر له ذلك بمظهر الحقيقة ، ورأيته وقد سما به الخيال فرأى الطلّ يسقط على الورد ، فهل يؤدي التشبيه مثل هذا؟ وهل تصل فيه المبالغة الى ما تصل اليه الاستعارة؟ فهبه قال : تمسح الدموع التي تشبه الطلّ والخدود التي هي كالورد والأصابع التي تشبه العنم ، أتراه يصل الى مثل ما قال؟ إنك لتحس بأن هذا أدنى من المعنى المجازي وأقل منه مبالغة ، فإن في التشبيه جمعا بين المشبه والمشبه به ، وهذا إقرار بأنهما متقاربان ، وتأمل قول أبي الحسن التهامي :
يا كوكبا ما كان أقصر عمره |
|
وكذاك عمر كواكب الأسحار |
يتبين لك فيه صورة النجوم وقد أفلت بعد طلوعها ، وكواكب الأسحار وقد غادرت بعد ظهورها.
وقد استعمل العرب الاستعارة في كلامهم تقريبا للمعنى الى ذهن السامع ، واستثارة لخياله واختلابا للبه ، ليقنع بما يقال له ويلقى في روعه.
تدريب أول
اجعل التشبيهات الآتية استعارة مصرحة أو مكنية مع بيان القرينة :
١ ـ استذكرت كتابا كالصديق في المؤانسة.
٢ ـ اللسان كالسيف في الإيذاء.
٣ ـ انتثرت في السماء نجوم كالدرر.
٤ ـ في البحر سفن كالجبال في العلو.
__________________
(١) العنم : شجر لين الأغصان ، تشبه به الأصابع.