(ب) ما كانت علاقته المشابهة بين الهيئة المستعار منها والهيئة المستعار لها بأن تشبه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين وأمور بالأخرى ، ثم يدعى أن الصورة المشبهة من جنس الصورة المشبهة بها فيطلق على الصورة المشبهة اللفظ الدال بالمطابقة على الصورة المشبه بها مبالغة في التشبيه ، كما كتب الوليد بن يزيد لما بويع بالخلافة الى مروان بن محمد حينما بلغه توقفه في البيعة له .. أما بعد : فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر (١) أخرى ، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسّلام ، فقد شبهت صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر ، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخرها مرة أخرى ، وكما يقال لمن يعمل فيما لا يجدي : أراك تنفخ في غير فحم ، وأراك تخط على الماء ، يراد أنه في عمله كمن يفعل ذلك.
وهذا القسم يسمى استعارة تمثيلية (٢) واستعارة على سبيل التمثيل وتمثيلا على سبيل الاستعارة أو تمثيلا فقط ، ويمتاز عنها التشبيه المركب بأن يقال له : تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلي.
واذا اشتهرت الاستعارة التمثيلية وكثر استعمالها سميت مثلا ولا يغير مطلقا محافظة على الاستعارة فيخاطب به المفرد والمذكر وفروعهما بطريقة واحدة (٣) كقولهم : أحشفاء وسوء كيلة (٤) ، يضرب مثلا لمن يظلم من جهتين ، وبيان الاستعارة في مثل هذا أن يقال : شبهت هيئة من يظلم من جهتين بهيئة رجل اشترى من آخر تمرا رديئا وطفف له المكيال بجامع الظلم من جهتين ، واستعير التركيب الموضوع للمشبه به للمشبه استعارة تمثيلية ، وهكذا يقال في سائر الأمثال
__________________
(١) مفعول تؤخر محذوف أي وتؤخرها أي تلك الرجل المتقدمة ، وقوله أخرى نعت لمرة أي مرة أخرى ، وإنما لم نجعل أخرى نعتا للرجل لئلا يفيد الكلام أن الرجل المؤخرة غير المقدمة وليس ذلك صورة التردد كذا في ابن يعقوب.
(٢) وكل استعارة وإن كانت تمثيلا أي تشبيها فقد خص اسم التمثيل بهذه الاستعارة لأنها مثار فرسان البلاغة.
(٣) وذلك معنى قولهم الأمثال لا تغير.
(٤) الحشف : الرديء ، والكيلة : هيئة الكيل.