فقد جعل الزيادة والوفور حياة للمال وتفريقه في العطاء قتلا له ، ثم أثبت الإحياء فعلا للصوارم والقتل فعلا للتبسم ، مع أن كلا منهما لا يصح منه الفعل.
وقد وقع هذا المجاز في التنزيل نحو : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً)(١) ، فقد نسبت الزيادة الى الآيات لكونها سببا ، ونحو : (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) نسب الذبح الى فرعون لأنه الآمر به والسبب فيه ، ونحو : (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً)(٢) ، فقد أسند الفعل الى الظرف لوقوعه فيه.
(قرينته) قرينة هذا المجاز إما لفظية ، كقول أبي النجم العجلي :
ميز عنه قنزعا عن قنزع |
|
جذب الليالي أبطىء أو أسرعي (٣) |
فقد استدللنا على أن إسناد ميز الى جذب الليالي مجاز بقوله بعده :
أفناه قيل الله للشمس اطلعي |
|
حتى اذا واراك أفق فارجعي |
فإنه يدل على أن ذلك فعل الله ، وأنه هو المفتى ، فيكون إسناده الى جذب الليالي من الاسناد الى الزمان.
وإما غير لفظية ، كاستحالة صدور المسند من المسند اليه ، أو قيامه به عقلا ، نحو : محبتك جاءت بي اليك ، أو عادة نحو : بنى الوزير القصر ، وكصدور الكلام من الموحد ، كما في إسناد الاشادة والافناء الى كر الغداة في قوله الصلتان للعبدي :
أشاب الصغير وأفنى الكبير |
|
كر الغداة ومر العشي |
اذا ليلة هرمت يومها |
|
أتى بعد ذلك يوم فتى |
(تنبيهات) الأول قال عبد القاهر : هذا الضرب من المجاز ، على حدته ، كنز من كنوز البلاغة ومادة الشاعر المفلق والكاتب البليغ في الإبداع والإحسان والاتساع في طرق البيان ، ولا يغرنك من أمره أنك ترى الرجل يقول : أتى بي الشوق الى لقائك ، وسار بي الحنين الى رؤيتك ، وأقدمني بلدك حق لي على إنسان ،
__________________
(١) سورة الأنفال الاية ٢.
(٢) سورة المزمل الاية ١٧.
(٣) ميز : فصل ، وعنه أي عن رأسه ، والقنزح : الشعر المجتمع في نواحي الرأس ، وجذب الليالي : مضيها وتعاقبها ، وابطىء أو أسرعي حال من الليالي على تقدير القول.