الكريم عادلا ، الى المجاز ، تعظيما للمخاطب وتشريفا له عن أن يخاطب بلقبه ، أو المبالغة مع الايجاز ، كما تبين لك ذلك فيما سلف.
(ج) ومما يرجع اليهما تحسين اللفظ ودقة المعنى من أجل أن الشيء اذا عرف من بعض الوجوه دون بعض تاقت النفس الى تحصيل ما ليس بمعلوم لها ، وذلك لا يتسنى إلا عند التعبير بالمجاز ، أما عند التعبير بالحقيقة فيحصل العلم به من جميع الوجوه ، لا جرم كان التعبير بالمجاز أقرب الى تحسين الكلام وتجميله.
أسرار البلاغة في المجاز العقلي
المجاز العقلي ضرب من التوسع في أساليب اللغة وفن من فنون الايجاز في القول ألا ترى أن إسناد الفعل الى سبيله وجعله الفاعل المؤثر دليل على ما كان لهذا الأثر من شديد الصلة في صدور الفعل ، وكأنه هو الذي صدر منه.
انظر الى قول ابن الرومي :
أرى الشعر يحيي الناس والمجد بالذي |
|
تبقيه أرواح له عطرات |
فما المجد لو لا الشعر إلا معاهد |
|
وما الناس إلا أعظم نخرات |
تره قد جعل حياة الناس ومآثرهم رهينة الشعر بما ينشر من فضائلهم ويذكره من جليل إحسانهم وعظيم إنعامهم فيبقى على كر الغداة ومر العشي.
وكذلك تجد ما في نسبة الحادث ، إلى زمانه أو مكانه ، من دلالة على التعميم والشمول ، فإن الفعل اذا أريد بيان شموله وأنه يعمّ كل من يكنه المكان أو يحيط به الزمان نسب الى المكان أو الزمان ، تأمل قوله تعالى على لسان زكريا عليهالسلام : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) ، تره أراد أن يجعل الشيب قد عمّ رأسه حتى صار كأنه نار ، أضاف الاشتعال الى الرأس لا الى الشعر مع أن المقصود هو بيان ابيضاض الشعر.
وانظر الى طرفة بن العبد تره قد نسب إبداء المجهول الى الأيام وهي لا تظهره بل يظهر فيها ، ويستبين من أمره ما كان خفيا ، في قوله :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا |
|
ويأتيك بالأخبار من لم تزود |
__________________
(١) سورة مريم الآية ٤.