تره قد أبان كرم أبي سعيد بغاية الوضوح من حيث أبان أن إبله أبت إلا أن تزور الكرماء ، ويكفيها أن تزور من بينهم أبا سعيد.
وليس بالخفي ما للكناية من فضيلة في إلباس المعقول ثوب المحسوس ، أتراك تشاهد لطف التعبير ودقة التصوير اذا تأملت الكناية بحمالة الحطب عن النمامة التي تفسد ذات البين وتهيج الشر في قوله تعالى يصف امرأة أبي لهب : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)(١) فإنك وأنت تقرؤها يخيل اليك أنها ممسكة حطبها بيديها ، ومشعلة نارا لتوقد العداوة والبغضاء بين قوم ، وتؤلب بعضهم على بعض.
الى ما فيها من حيلة بترك بعض ألفاظ الى ما هو أجمل في القول وآنس للنفس ، ألا ترى اليهم وهم يكنون عن الموت بقولهم : «فلان قد استوفى أكله» أو بقولهم : «لحق باللطيف الخبير» وعن الصحراء بالمفازة وهي مهلكة.
الى ما فيها من حسن التلطف في إطراح الألفاظ المستهجنة كما جاء في القرآن الكريم من الكنايات التي تتعلق بالنساء كالنهي عن أخذ المهور مع ذكر السبب في قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)(٢) ، وقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٣).
الى أنها قد تكون طريقا من طرق الايجاز والاختصار كقوله تعالى كناية عن كثير من الأفعال : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٤) وقولهم كناية عن الجامع لكل شيء (هو سفينة نوح).
وأنك لترى فيها من العجب العجاب ومن غريب الصنعة ومن بديع السحر اذا كانت في باب الصناعات الخسيسة والأشياء الحقيرة بذكر منافعها ، كما قيل لحائك : ما صناعتك؟ قال : زينة الأحياء ، وجهاز الموتى.
وقال ابن باقلاني (بائع فول) :
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره |
|
وإن نزلت يوما فسوف تعود |
ترى الناس أفواجا الى ضوء ناره |
|
فمنهم قيام حوله وقعود |
__________________
(١) سورة المسد الآية ٤.
(٢) سورة النساء الآية ٢١.
(٣) سورة البقرة الآية ١٩٧.
(٤) سورة المائدة الآية ٧٩.