ونحوه قول المتنبي :
كفى بجسمي نحولا أنني رجل |
|
لو لا مخاطبتي إياك لم ترني |
(ب) أن يجيء مجردا عما ذكر ، كقول عمرو بن الأيهم التغلبي :
ونكرم جارنا ما دام فينا |
|
ونتبعه الكرامة حيث مالا |
فقد ادعى أنه يتبع جاره الكرامة حيث سار ، وهذا ليس بجائز في شرعة العادة ، وإن أجازه العقل.
٣ ـ والغلو ما يكون المدعي فيه غير ممكن لا عادة ولا عقلا ، وهذا مسرح الشعراء المفلقين في مدحهم وهجوهم ، وهو على قسمين : مقبول ، ومردود.
فالمقبول أنواع :
١ ـ أن يقترن به ما يقرّ به الى الإمكان كلفظ يكاد في قول ابن حمديس :
ويكاد يخرج سرعة من ظله |
|
لو كان يرغب في فراق رفيق (١) |
وأجمل منه قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)(٢).
٢ ـ أن يتضمن نوعا حسنا من تخييل الصحة ، كقول أبي الطيب :
عقدت سنابكها عليها عثيرا |
|
لو تبتغي عنقا عليه لأمكنا (٣) |
فقد ادعى تراكم الغبار المرتفع من سنابك الخيل فوق رؤوسها بحيث صار أرضا يمكن السير عليها ، وهذا وإن كان غير ممكن ، يخيل الى الوهم من ادعاء كثرته وكونه كالجبال صحته ، وقد اجتمع السبب الأول والثاني في قول القاضي الأرّجاني يصف طول الليل :
يخيّل لي أن سمر الشهب في الدجى |
|
وشدت بأهدابي اليهن أجفاني |
٣ ـ أن يخرج مخرج الخلاعة والهزل كقوله :
«أسكر بالأمس إن عزمت على الشرب غدا إن ذا من العجب».
__________________
(١) يصف فرسا بسرعة الجري.
(٢) سورة النور الآية ٣٥.
(٣) السنابك : حوافر الخيل ، والكثير : الغبار ، والعنق : السير السريع ، وضمير عليها يعود للخيل.