ويرى إبراهيم النظام ومن تابعه أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر به ، ولو كان خطأ غير مطابق للواقع ، وكذبه عدمها ، فإذا قال قائل : الشمس أصغر حجما من الأرض ، معتقدا ذلك ، كان صدقا ، واذا قال : الشمس أكبر من الأرض ، وكان غير معتقد ذلك ، كان كذبا.
واحتج لذلك بوجهين :
(١) أن من اعتقد أمرا فأخبر به ، ثم ظهر خبره مخالفا للواقع فإنه يقال : ما كذب ولكنه أخطأ ، كما روى أن عائشة قالت فيمن شأنه كذلك : ما كذب ولكنه وهم ، ورد بأن المنفي تعمد الكذب لا الكذب ، بدليل تكذيبنا اليهودي اذا قال : الإسلام باطل ، وتصديقنا إياه اذا قال : الإسلام حق.
(٢) قوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(١) ، فقد كذبهم في قولهم : إنك لرسول الله ، وإن كان مطابقا للواقع لأنهم لم يعتقدوه. وأجيب عن ذلك بوجوه :
(أ) أن المعنى نشهد شهادة وافقت فيها قلوبنا ألسنتنا كما يرشد الى ذلك التأكيد بأن واللام والجملة الاسمية في قولهم : إنك لرسول الله ، فالتكذيب راجع الى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا ، وهو أنها من صميم القلب ، وخلوص الاعتقاد.
(ب) أن التكذيب متجه الى تسمية إخبارهم شهادة ، لأن الإخبار اذا خلا عن المواطأة للاعتقاد لم يكن شهادة في الحقيقة.
(ج) أن المراد لكاذبون في قولهم : إنك لرسول الله ، لا في الواقع ، بل في زعمهم واعتقادهم لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع ، فيكون كذبا باعتبار اعتقادهم ، وإن كان صادقا في الواقع والحقيقة ، فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا الخبر الصادق.
ويرى تلميذه الجاحظ أن الخبر غير منحصر في القسمين الصادق والكاذب ، بل الأقسام الثلاثة : صادق وكاذب وواسطة بينهما ، لأن الحكم إن طابق الواقع مع اعتقاد المخبر أنه مطابق فهو صدق ، وإن لم يطابق الواقع مع اعتقاده أنه
__________________
(١) سورة المنافقون.