والذي شيمته الإنصاف وترك العصبيّة لا يأبى عن هذا الكلام ، وقد ينكر تحقّق هذه الصّورة ، وأنت خبير بأنّها غير عزيزة ، فإنّ من تولّد في بلاد المخالفين ولم يسمع من علمائهم إلّا التبرّي عن الشّيعة وكونهم أكفر الكفرة ، ولم يسمع إلّا أحاديثهم الموضوعة في مدح خلفائهم ، ولو فرض أنّه سمع بعض أخبار الشّيعة لكان سمعها مع تأويلها المطابق لآرائهم ورأى أدلّتهم على مذهبهم مموّهة بالمقرّبات ، مشبعة في إتمام مقاصدهم بما يقرّون على الإشباع ، وأدلّة الشّيعة شعثة منكسرة الرّأس واليد ، مقطوعة الأطراف متروكة مواضع الدّلالة ، إذا بذل جهده ولم يحصل له إلّا الظنّ بأحد الطّرفين ، فكيف يقال : إنّه مكلّف بالعلم ، ويقال بترجيح المرجوح ، غاية الأمر أنّه بسبب الاحتمال النّفس الأمريّ يتوقّف عن الحكم القطعيّ بنفس الأمر ، وهو لا ينافي لزوم متابعته لدين من حصل له الظنّ بحقيّته ، وقد عرفت وستعرف أنّ القول بأنّ أدلّة المعارف كلّها ممّا يوجب اليقين حتّى للعوامّ وغير الكاملين من العلماء ، وأنّ عدم الإصابة كاشف عن التّقصير غير تمام ، ولو سلّم ، فإنّما يسلّم في بعض مجملات المعارف لا في كلّها ولا في تفاصيل بعض ما له دليل يوجب اليقين في الجملة ، وفي العلماء الكاملين لا غيرهم ، فالأحسن أن يجعل محلّ النّزاع هي هذه الصورة ، وأنّ المراد هل يجب النّظر المحصّل للقطع في صورة إمكان حصوله أم يجوز الاكتفاء بالظنّ الحاصل له؟ وأن لا يفرّق بين كون النّظر إجماليّا حاصلا له ولو بحسن ظنّه بشخص ، أو تفصيليّا حاصلا من دليل ، فتأمّل حتى لا يذهب عليك أنّ إطلاق التّفصيليّ على مقابل الإجماليّ بهذا المعنى لا ينافي كونه إجماليّا بالمعنى الذي يأتي من عدم اشتراط ملاحظة ترتيب المقدّمتين تفصيلا ، والمعرفة بتفاصيل مصطلحات أرباب الميزان.