فظهر ممّا ذكرنا ، أنّه ينبغي أن يكون محلّ النّزاع في النّظر في الأصول إنّما هو إذا حصل الخوف من جهة تفطّنه لوجوب شكر المنعم في أوّل النّظر كما سيجيء ، أو إذا حصل الخوف له بعد زوال الاطمئنان الحاصل له أوّلا من أيّ طريق حصل ، فالمشهور وجوبه.
والمخالف يجوّز التّقليد بالمعنى الأوّل ، أعني ما يساوق التّقليد في الفروع ، وإذا انحصر النّزاع في ذلك فالحقّ مع جمهور علمائنا من وجوب النّظر وليس من باب الفروع حتّى يكتفى بالظنّ مع إمكان تحصيل القطع أيضا كما مرّ في محلّه.
فالمختار هو أنّ عند التّفطّن في أوّل الأمر وزوال الاطمئنان بعد حصوله يلزم النّظر والتّفحّص حتّى يحصل القطع ، لعدم زوال الخوف للنفس من المضرّة إلّا بذلك ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.
وإذا لم يقدر على تحصيل القطع ، فيكتفي بالظنّ ، للزوم التّكليف بالمحال لولاه ، وسيجيء بيان الأدلّة تفصيلا.
وأمّا لزوم تحصيل اليقين بمعنى الجزم الثّابت المطابق للواقع مطلقا ، فهو في غاية البعد ، إذ قد يحصل الجزم بنفس الأمر ويزول بتشكيك المشكّك ، وأكثر النّاس إيمانهم من هذا القبيل إن كانوا جازمين ، فإذا جاز زوال المطابق فكيف بغير المطابق!
ثمّ إنّ ما ذكرنا من عدم زوال الخوف إلّا بتحصيل اليقين مع الإمكان على الإطلاق أيضا لا يخلو عن إشكال ، بل لا بدّ من التّفصيل ، فإنّا إذا دار أمرنا بين الإذعان بوجود الصّانع وبعثه للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وحقيّة المعاد وعدم المذكورات ، فالظنّ بوجود المذكورات يزيل الخوف ، لأنّ ما يتصوّر فيه الخوف إنكار المذكورات لا الإقرار ، بخلاف دوران الأمر بين النّبيّين والوصيّين عليهمالسلام مثلا ، إلّا أن يقال : نفس