وعلى فرض كفاية الجزم مطلقا هل يلزم المطابقة للواقع أو لا؟
وقد مرّ الكلام في كثير من هذه الأقسام ، والنّزاع في المقام الأوّل بين مثبتي الصّانع ومنكريه ، وفي المقام الثّاني بين الحكماء والإماميّة والمعتزلة وبين الأشاعرة.
فالأشاعرة يقولون بالثّاني ، والباقون بالأوّل.
والثّالث هو المسألة المبحوث عنها.
فالمقام الأوّل يستغنى عن البحث عنه بالبحث في المقام الثّاني.
وأمّا المقام الثّاني ، فهو أنّ الإماميّة والمعتزلة والحكماء يقولون بوجوبه عقلا.
أمّا الحكماء فنظرهم في معرفة الأشياء بالذّات ، ولا يقولون بشريعة حتّى يقع الخلاف بينهم في كونه شرعيّا أم لا ، فينحصر طريقة إثباته في العقل.
وطريقه أنّ كلّ عاقل يراجع نفسه يرى أنّ عليه نعماء ظاهرة وباطنة ، جسميّة وروحانيّة ممّا لا يحصى كثرة ولا يشكّ ولا يريب أنّها من غيره.
فهذا العاقل إن لم يلتفت الى منعمه ولم يعترف له بإحسان ولم يذعن بكونه منعما ولم يتقرّب الى مرضاته ، يذمّه العقلاء ويستحسنون سلب تلك النّعمة عنه ، وهذا معنى الوجوب العقليّ.
وأيضا إذا رأى العاقل نفسه مستغرقة بالنّعم العظام ، يجوّز أنّ المنعم بها قد أراد منه الشّكر عليها ، وإن لم يشكرها يسلبها عنه ، فيحصل له خوف العقوبة ، ولا أقلّ من سلب تلك النّعم ودفع الخوف عن النّفس واجب مع القدرة ، وهو قادر على ذلك ، فلو تركه كان مستحقّا للذّم.
فإذا ثبت وجوب شكر المنعم ووجوب إزالة الخوف عن النّفس ، وهو لا يتمّ إلّا بمعرفة المنعم حتّى يعرف مرتبته ليشكره على ما يستحقّه ، فهذا دليل على وجوب