معرفة الله تعالى عقلا.
والدّليل الى هنا يثبت وجوب معرفة المنعم.
أمّا كيفية تحصيل المعرفة هل يمكن فيه الرّكون الى قول عالم مثلا والإذعان بما يقوله في وصف ذلك المنعم وحاله ، أو يجب النّظر ، فهذا هو الكلام في المقام الثّالث ، فيلحق بما مرّ من تقرير الدّليل ، أنّ المعرفة إنّما تتمّ بالنّظر ، لأنّ التّقليد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو لا يزيل الخوف ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، فالنظر واجب.
والبحث على هذا الدّليل إمّا على عدم إفادته لوجوب تحصيل المعرفة ، أو على عدم إفادته لوجوب كون التّحصيل على سبيل الاجتهاد ، فقد يمنع استلزام مجرّد التّجويز الخوف ، وأنّ ذلك ربّما يحصل لبعض النّاس دون بعض ، فلا وجه للإطلاق ، كمن قلّد محقّا وجزم به واطمأنّت (١) نفسه ، وإن فرض احتمال التّضرّر بالتّقليد فهو لا يوجب الخوف ، وإن فرض حصول الخوف فقد يزول بما ظنّ به إذا شكره على حسب ما ظنّ.
وكذلك من قلّد مبطلا واطمأنّ به وجزم ، فلا يحصل له خوف أصلا بتركه.
والجواب عن جميع ذلك يظهر ممّا فصّلناه في المقدّمة ، إذ نحن لا نحكم بالوجوب مطلقا ، ولا بدّ أن ينزّل إطلاق كلام العلماء مثل العلّامة رحمهالله في «الباب الحادي عشر» (٢) وغيره على ذلك ، إذ من أصولهم الممهّدة وقواعدهم المسلّمة
__________________
(١) في نسخة الأصل (واطمأنّ).
(٢) راجع الأمر الثالث من «الباب الحادي عشر» في بيان وجوب معرفته تعالى بالدليل لا بالتقليد والمطلب الثاني في بيان شرائط حس التكليف.