عدم تكليف الغافل وتكليف ما لا يطاق ، وإنكار حصول الخوف مطلقا مكابرة سيّما مع ملاحظة اختلاف العقلاء في تلك المسائل ، وسيّما مع تبليغ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والتّكليف بالنّظر الى المعجزة وغير ذلك.
والحاصل ، أنّ المراد بذلك الاستدلال أنّ العقل يحكم بوجوب النّظر في الجملة ، وأنّه لا معنى لحكم الشّرع بذلك لاستلزامه المحال كما سيجيء ، لأنّ العقل يحكم بالوجوب عموما بالنّسبة الى جميع المكلّفين ، وبالنّسبة الى جميع أحوالهم ، بل التّحقيق هو ما قدّمناه من التّفصيل.
واعترض الأشاعرة على هذا الدّليل ، أوّلا : بمنع حكم العقل بالحسن والقبح وهو إنكار للبديهيّ كما أشرنا سابقا وحقّق مستقصى في محلّه.
وثانيا : بأنّ العقل والنّقل يدلّان على خلافه ، أمّا النقل ، فقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١). وقد مرّ الجواب عنه في الأدلّة العقليّة.
وأمّا العقل ، فلأنّه إن كان وجوبه لا لفائدة فهو عبث غير جائز عقلا ، وإن كان لفائدة ، فإمّا أن تعود الى المشكور ، فهو متعال عن ذلك ، وإمّا الى الشّاكر ، فهو منتف.
أمّا في الدّنيا فلأنّه مشقّة بلا حظّ ، وأمّا في الآخرة فلا استقلال للعقل فيها ، وأيضا هو تصرّف في مال الغير بدون إذنه ، فلا يجوز.
وفيه : أنّا نقول : فائدته تعود الى الشّاكر وهو محض حصول التّقرّب ، فهو حسن بالذّات ولا يقتضي فائدة أخرى ، مع أنّ عزل العقل عن حكمه بالفائدة الآجلة محض الدّعوى ، وقد أثبتناه في محلّه ، بل نحن لا نحتاج في إثبات مطلق المعاد
__________________
(١) الإسراء : ١٥.