أنّ المتأخّرين أيضا لا يستلزم تصحيحهم قطعيّة الخبر ، ومن أنّى لك إثبات هذا المعنى الصّحيح عندهم.
ويشهد بما ذكرنا ما ذكره المحقّق البهائيّ رحمهالله في كتاب «مشرق الشّمسين» (١) : أنّ المتعارف بين القدماء كان إطلاق الصّحيح عندهم على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، واقترن (٢) بما يوجب الوثوق به والرّكون إليه. ثمّ ذكر ممّا يوجب ذلك أمورا يستلزم أحدها قطعيّة الخبر ولا يفيد إلا الظنّ بصدورها عن المعصوم عليهالسلام ، بل ربّما يصفون الخبر بالقطعيّ ولا يريدون ذلك ، فضلا عن أن يصفوه بالصّحّة.
ويشهد به ما ذكره الشيخ في أوّل «الاستبصار» (٣) في تقسيم الخبر ، فإنّه جعل ما وافق ظاهر الكتاب ، بلّ ومفهومه المخالف من القطعيّ ، فلاحظ حتّى يظهر لك ما قلته. مع أنّه يظهر من التّتبع أنّ الصّدوق أيضا يريد من الصّحيح ما هو المعتمد الرّاجح الصّدق ، وهو كثيرا ما يعتمد في تصحيح الحديث بتصحيح شيخه ابن الوليد ، وإنّه كان يرى قبول ما يرويه الثّقة الضّابط ، وهذا لا يستلزم القطع كما لا يخفى.
فالظّاهر أنّ مراد الصّدوق رحمهالله من صحّة الأصل الذي أخذ الحديث عنه ، كون الأصل ممّا يعتمد عليه في الجملة ، لا كون جميع أخباره كذلك ، وذلك لأنّ من الأصول ما كان لا يعتمد عليه لأجل راويه وكونه من الكذّابين ، أو لتخليط
__________________
(١) ص ٢٦.
(٢) في المصدر الأصلي (أو اقترن).
(٣) ١ / ٤