إذا لاقت هذا الماء اليسير ولو في حديث واحد ليتمشى لنا حمل الباقي عليه وان كثر وبالجملة فلو كان التغير وعدمه مناطا كليا ومعيارا مطردا لم ينحصر وروده في مثل تلك الأحاديث خاصة دون هذه الأحاديث ، مع كثرتها وتعددها وزيادة عموم البلوى بما تضمنته سفرا وحضرا ، فلما رأينا ـ ان هذه الاخبار الواردة في الماء القليل المحقق القلة ـ كماء التور وماء الركوة ونحوهما ـ كلها منطبقة الدلالة على النجاسة ، للنهي عن استعماله والأمر بإهراقه ، وان التغير وعدمه إنما جعل مناطا في مثل الماء الذي يكون معرضا لنجاسة الجيف وأبوال الدواب ونحوهما مما يغير الماء وان كثر غالبا ، كمياه الغدران والحيضان ونحوهما مما لا ينفك عن كرور فضلا عن كر غالبا ـ علمنا ان جعل التغير مناطا هناك إنما هو من حيث الكثرة المانعة من الانفعال بمجرد الملاقاة الغير القابلة للنجاسة إلا بالتغير ، دون تلك المياه القليلة التي تنفعل بمجرد الملاقاة. فلا يحتاج فيها الى ذلك المناط المذكور لانفعالها بما دونه.
ومما يزيدك تأييدا وبيانا انك بالتأمل في السؤالات الواقعة ـ في تلك الأخبار التي جعل مناطها التغير وعدمه ـ يظهر لك صحة ما قلناه ، حيث ان في بعضها «تبول فيه الدواب» بلفظ الجمع أعم من أن يكون ذلك دفعة أو دفعات ، وفي بعضها «تردها السباع والكلاب والبهائم» ومن المعلوم ان ذلك الورود إنما هو للشرب منها دفعة أو دفعات ، كما يشعر به قوله (صلىاللهعليهوآله) في بعضها (١) : «لها ما أخذت أفواهها» ومن الظاهر البين ان بول الدابة في الماء إنما هو بعد دخولها فيه للشرب أو لغيره ، ورمي الجيف فيه التي هي في الغالب في تلك الطرق أما جيفة حمار أو جمل أو فرس أو غنم أو كلب أو غيره من السباع الكثيرة التردد في تلك الطرق ، ويظهر لك ان ما يكون معرضا لهذه الأشياء لا تنقص مساحته عن كرور عديدة فضلا عن كر ،
__________________
(١) وهي رواية الفقيه المتقدمة في الصحيفة ٢٩٢.