وجه الدلالة ان اشتمال اجوبتهم (عليهمالسلام) عن بيان كيفية غسل الجنابة على إزالة المني يشعر بان له مدخلا في الكيفية ، وما ذلك إلا بناء على ما قلنا من انه لما كان الغالب تأخير إزالة المني إلى حين ارادة الاغتسال أدرجه في الكيفية. والأحكام في الاخبار ـ كما ذكرنا في غير مقام ـ إنما تبنى على ما هو الغالب المتكرر ، ألا ترى ان أحد سببي الجنابة الموجب للغسل ايضا الإيلاج خاصة ، مع ان الأخبار الواردة في بيان الكيفية إنما خرجت بناء على السبب الآخر الذي هو الانزال ، وما ذاك الا بناء على ما ذكرنا ، وحينئذ فحيث يطلق الجنب في أخبارهم (عليهمالسلام) يحمل على من كان كذلك إلا مع قيام القرينة المخرجة. وبهذا التحقيق في المقام يحصل المخرج من المضيق في جملة من الأحكام : منها ـ اخبار هذا الموضع ، ومنها ـ الأخبار الواردة بنزح سبع دلاء لاغتسال الجنب في البئر ، فإنه مع عدم النجاسة في بدنه لا يظهر للنزح ـ واجبا أو مستحبا ـ وجه حسن في ذلك المجال. وما تكلفه جملة من أصحابنا لدفع ذلك لا يخلو من تمحل وإشكال ، الى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع للاخبار.
وعلى هذا فتكون الأخبار التي أشرنا إليها آنفا ـ مما دل على نفي البأس عما ينتضح من الجنب حال اغتساله ـ محمولة على الاستثناء من نجاسة القليل دفعا للحرج ، كما يشير اليه الاستشهاد بالآية في صحيحة الفضيل (١) المتقدمة (٢).
__________________
(١) فإن ظاهر الاستشهاد بالآية المذكورة حصول الحرج لو منع من استعمال ذلك الماء الذي انتضح فيه من غسل الجنب ، ومن المعلوم انه لو كان طاهرا فلا منع ولا حرج في ذلك فإنه متى كان بدن الجنب طاهرا والأرض التي يغتسل عليها طاهرة فالمنتضح منها باق على أصله الطهارة كسائر المواضع الملاقية للماء الطاهر ، فأي نكتة تترتب على إيراد الآية هنا؟ بل إنما يتجه إيرادها على تقدير نجاسة الأرض أو بدن الجنب ، إذ موردها كون ذلك رخصة وتخفيفا ، ومن شأن الرخص ورودها في المقامات المقتضية للمنع. ويؤيد ذلك ويوضحه رواية عمر بن يزيد المذكورة ، فان نفى البأس عما ينزو من الأرض التي يبال عليها صريح فيما ذكرناه. والله العالم (منه رحمهالله).
(٢) في الصحيفة ٤٣٨.