الأجزاء إنّما يصحّ فيما إذا علم انحلاله إلى جزء وجزء حتى يكون داعياً إليه ، وأمّا إذا جُهلت جزئية الشيء فلا يكون الأمر به ، حجّة عليها وداعياً إليها ضرورة انّ قوام الاحتجاج بالعلم ، والعلم بتعلّق الأمر المركب ، إنّما يكون حجّة على الأجزاء التي علم تركب المركب منها دون ما لا يكون.
وإن شئت نزّل المقام على ما إذا تعلّق الأمر بالأجزاء بلا توسط عنوان ، فكما أنّه لا يحتج إلّا على الأجزاء المعلومة دون المشكوكة ، فهكذا المقام فانّ الأمر وإن تعلق بالعنوان مباشرة دونها ، لكنّك عرفت أنّ نسبة العنوان إليها نسبة المجمل إلى المفصل ، فالأجزاء في مرآة الإجمال ، عنوان ؛ وفي مرآة التفصيل ، أجزاء.
وعلى ضوء ذلك : إذا بذل العبد جهده للعثور على الأجزاء التي ينحلّ العنوان إليها ، فلم يقف إلّا على التسعة منها دون الجزء العاشر المحتمل ، يستقل العقل بانّه ممتثل حسب قيام الحجة ويعدّ العقاب على ترك الجزء المشكوك عقاباً بلا بيان.
وبعبارة موجزة : انّ العقل يستقل بقبح مؤاخذ مَنْ أُمر بمركب لم يُعلَم من أجزائه إلّا عدّة أجزاء ، ويشكّ في وجود جزء آخر ، ثمّ بذل جهده في طلب الدليل على جزئية ذلك الأمر ، فلم يعثر فأتى بما علم وترك المشكوك ، خصوصاً مع اعتراف المولى بعدم نصب قرينة عليه ، فكما تقبح المؤاخذة فيما إذا لم ينصب قرينة فهكذا تقبح فيما إذا نصب ولكن لم تصل إلى المكلّف بعد الفحص وهذا تقرير للبراءة العقلية. (١)
وبهذا يعلم جريان البراءة الشرعية حيث إنّ تعلّق الوجوب الشرعي بالنسبة إلى الجزء أو الشرط أو القيد مجهول فيشمله حديث الرفع وغيره من أدلّة البراءة
__________________
(١). ثمّ إنّ ما ذكرنا من الدليل ، غير ما هو المعروف من القوم في المقام من كون الأقلّ واجباً على كلّ تقدير والأكثر مشكوك الوجوب فانّ الاستدلال على البراءة بهذا الطريق ذو شجون.