والدليل على أصالة الصحّة بهذا المعنى هو وجود الإجماع العملي بين الفقهاء وسيرة المسلمين النابعين من سيرة العقلاء على حمل فعل الغير على الصحّة ، وهذا ممّا لا شكّ فيه.
والذي دعا إلى اتخاذهم هذا الأصل سنداً في الحياة هو ملاحظة طبع العمل الصادر عن إنسان عاقل ، وهو يعمل لغاية الانتفاع بعمله آجلاً أو عاجلاً ، ومقتضى ذلك هو إيجاد العمل صحيحاً لا فاسداً ، كاملاً لا ناقصاً ، وإلّا يلزم نقض الغرض وفعل العبث.
ثمّ إنّ أصالة الصحّة متقدّمة على الاستصحاب لأحد وجهين :
الأوّل : انّها أمارة على الصحّة ، لأنّ الغالب على فعل الإنسان العاقل المريد هو الصحّة لا الفساد ، وانّ الفاسد أقلّ بكثير من الصحيح ، فتكون أمارة ظنّية أمضاها الشارع.
الثاني : أنّها أصل لكنّها متقدّمة على الاستصحاب للزوم اللغوية إذا قُدِّم الاستصحاب عليها ، إذ ما من مورد من مواردها إلّا وفيه أصل يدل على الفساد في المعاملات ، وعلى الاشتغال في العبادات ، لأنّ الشكّ في الصحّة ناشئ غالباً من احتمال تخلّف شرط أو جزء ، والأصل عدم اقتران العمل بهما.
نعم تُقدَّم أصالة الصحّة على استصحاب الفساد إلّا في موارد كان الفساد فيها هو الطبع الأوّلي للعمل مثلاً :
إذا كان طبع العمل مقتضياً للفساد ، بحيث تكون الصحّة من عوارضه الشاذة وأطواره النادرة ، كبيع الوقف مع احتمال المسوّغ له ، ومال اليتيم إذا لم يكن البائع وليّاً وبيع العين المرهونة مدّعياً إذن المرتهن.
هذا في المعاملات ونظيره في العبادات ، كإقامة الصلاة في المكان المغصوب ، وفي الثوب النجس ، مع احتمال المسوّغ لها فلا تجري أصالة الصحة فيهما.