المولى وإن لم يلتزم بحكمه.
وربّما يقال : إنّ الالتزام مع العلم بأنّ الحكم لله أمر قهري ، فكيف يمكن أن يواري المسلمُ الميّتَ مع العلم بأنّه سبحانه أمر به ولا يلتزم بأنّها حكم الله ، فعدم عقد القلب على وجوبه أو على ضدّه أمر ممتنع وبذلك يُصبح النزاع غير مفيد.
وعلى هذا ، فالعلم بالحكم يلازم التسليم بأنّه حكم الله. (١)
ولكن الظاهر عدم الملازمة بين العلم والتسليم ، فربّ عالم بالحق ، غير مسلِّم قلباً ، فإنّ الإنسان كثيراً ما يعلم بأهلية المنصوب من قبل من له النصب ، لكنّه لا ينقاد له قلبه ولا يسلّمه باطناً ، وإن كان في مقام العمل يتحرّك بحركته خوفاً من سوطه وسطوته ، وهكذا كان حال كثير من الكفّار بالنسبة إلى نبيّنا ، حيث إنّهم كانوا عالمين بنبوّته كما نطق به القرآن ، ومع ذلك لم يكونوا منقادين له قلباً ولا مقرّين باطناً ، ولو كان ملاك الإيمان الحقيقي نفس العلم التصديقي لزم أن يكونوا له مؤمنين حقيقة. (٢)
والذي يدلّ على أنّ بين العلم والتسليم مرحلة أو مراحل قوله سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). (٣)
قيل : نزلت في الزبير ورجل من الأنصار خاصمه إلى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في شراج (٤) من الحرّة كانا يسقيان بها النخل كلاهما ، فقال النبي للزبير : «اسق ثمّ أرسل إلى
__________________
(١). لاحظ تهذيب الأُصول : ٤٦ / ٢.
(٢). نهاية الدراية : ٢٦ / ٢.
(٣). النساء : ٦٥.
(٤). مسيل الماء من الحرّة إلى السهل ، و «الحرّة» : الأرض ذات الحجارة.