وقال أيضاً : إذا رَوَيتُ عن رسول الله حديثاً ولم آخذ به ، فاعلموا أنّ عقلي قد ذهب.
وقال : لا قول لأحد مع سنّة رسول الله. (١) فتعيّن من خلال ذلك انّ المواضع الأربعة السابقة لا مجال فيها للقول بالتصويب ، والرأي الصائب فيها واحد وغيره خاطئ.
إذا عرفت خروج المواضع السالفة الذكر عن محط النزاع ، وانّ جمهور الفقهاء إلّا من شذّ قائلون فيها بالتخطئة ، يُعلم منه أنّ النزاع يختص بالمسائل التي لم يرد حكمها في الكتاب والسنّة ، فمن قال بأنّ لله سبحانه في نفس تلك المسائل التي لم يرد فيها نص ، حكم مشترك بين الناس ، فالآراء عند قياسها به يوصف الموافق منها بالصواب والمخالف بالخطإ ، ومن أنكر وجود ذلك الحكمَ المشترك ، في نفس المورد يرى الجميع صواباً ، وكانَ الحكم الشرعي مفوّضاً إلى تشخيص المجتهد ورؤيته ، فيصح الجميع على حد سواء.
وممن صرّح بتخصيص محل النزاع بما لا نص فيه هو الغزالي ، قال : قد ذهب قوم إلى أنّ كلّ مجتهد في الظنّيات مصيب ، وقال قوم : المصيب واحد ، واختلف الفريقان جميعاً في أنّه هل في الواقعة التي لا نصّ فيها ، حكم معين لله تعالى هو مطلوب المجتهد ، فالذي ذهب إليه محقّقو المصوّبة انّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معين يطلب بالظن ، بل الحكم يتبع الظن ، وحكم الله تعالى على كلّ مجتهد ، ما غلب على ظنّه وهو المختار ، وإليه ذهب القاضي. (٢)
إذا عرفت ذلك فنقول :
تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت انّ لله سبحانه حكماً مشتركاً في
__________________
(١). أعلام الموقعين : ٩٢٢ / ٢.
(٢). المستصفى : ٣٦٣ / ٢.