تكشف هذه الروايات والكلم بوضوح عن وجود الحكم المشترك ، وانّ لله سبحانه حكماً للجميع من غير فرق بين ما إذا ورد فيه النص وما لا نص فيه ، غاية الأمر يكون المجتهد فيما لا نصّ فيه معذوراً إذا أخطأ.
وقد ذهب أصحابنا تبعاً للروايات انّ لله سبحانه في كلّ واقعة حكماً معيناً يتّجه إليه المجتهد ، فيصيبه تارة ويخطئه أُخرى.
قال الشيخ الطوسي : ذهب أكثر المتكلّمين والفقهاء إلى أنّ كلّ مجتهد مصيب في اجتهاده وفي الحكم.
وهو مذهب أبي علي وأبي هاشم وأبي الحسن الأشعري وأكثر المتكلّمين ، وذهب الأصم (١) وبشر المريسي (٢) إلى أنّ الحقّ واحد وانّ ما عداه خطأ.
ثمّ قال : والذي أذهب إليه وهو مذهب جميع شيوخنا المتكلّمين من المتقدّمين والمتأخّرين ، وهو الذي اختاره سيدنا المرتضى ، وإليه كان يذهب شيخنا أبو عبد الله (المفيد) ، انّ الحقّ واحد.
تنبيه
ثمّ إنّ السبب الذي دعا أهل السنّة إلى القول بالتصويب هو قلّة الروايات النبوية في الأحكام الشرعية ، فأصبح قسم هائل من الموضوعات عندهم ممّا لا نصّ فيه ، فظنّوا انّ عدم ورود النص من الشرع قرينة على تفويض حكمها إلى المجتهدين ، فما استخرجه المجتهد على ضوء المعايير والمقاييس يُصبح حكماً شرعياً لله تبارك وتعالى ، سواء أوجِد المخالف أم لا ، فالجميع على صواب.
__________________
(١). هو عبد الرحمن بن كيسان المعتزلي الأُصولي المتوفّى عام ٢٢٥ ه.
(٢). هو بشر بن غياث المريسي ، فقيه معتزلي ، وهو رأس الطائفة المريسية ، وأُوذي في دولة هارون الرشيد ، توفّي عام ٢١٨ ه.