وعلى ضوء هذين الأصلين يجب أن يفسر تأثير الزمان والمكان في استنباط الأحكام.
وممن أشار إلى هذه المسألة من علمائنا ، المحقّق الأردبيلي ، حيث قال : ولا يمكن القول بكلية شيء ، بل تختلف الأحكام باعتبار الخصوصيات والأحوال والأزمان والأمكنة والأشخاص وهو ظاهر ، وباستخراج هذه الاختلافات والانطباق على الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف ، امتياز أهل العلم والفقهاء ، شكر الله سعيهم ورفع درجاتهم. (١)
وهناك كلمة مأثورة عن الإمام السيد الخميني (قدسسره) حيث قال : إنّي على اعتقاد بالفقه الدارج بين فقهائنا وبالاجتهاد على النهج الجواهري ، وهذا أمر لا بدّ منه ، ولا يعني ذلك انّ الفقه الإسلامي لا يواكب حاجات العصر ، بل انّ لعنصري الزمان والمكان تأثيراً في الاجتهاد ، فقد يكون لواقعة حكم لكنّها تتخذ حكماً آخر على ضوء الأُصول الحاكمة على المجتمع وسياسته واقتصاده. (٢)
إنّ القول بأنّ عنصري الزمان والمكان لا تمسّان كرامة الأحكام المنصوصة في الشريعة ، مما اتّفقت عليه أيضاً كلمة أهل السنّة حيث إنّهم صرّحوا بأنّ العاملين المذكورين يؤثران في الأحكام المستنبطة عن طريق القياس والمصالح المرسلة والاستحسان وغيرها ، فتغيير المصالح ألجأهم إلى الحكم بتغيير الأحكام الاجتهادية لا المنصوصة. يقول الأُستاذ مصطفى أحمد الزرقاء :
وقد اتّفقت كلمة فقهاء المذاهب على أنّ الأحكام التي تتبدّل بتبدّل الزمان وأخلاق الناس ، هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية أي التي قررها
__________________
(١). مجمع الفائدة والبرهان : ٤٣٦ / ٣ ، وقد سبقه غيره ، وقد أوردنا كلماتهم في رسالة مبسطة طبعت في كتاب «رسائل ومقالات» ، ج ٢ ، فلاحظ.
(٢). صحيفة النور : ٩٨ / ٢١.