المصلحة أو المفسدة العامّتين اللّتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء ، فانّه أعني : العقل لا سبيل له إلى الحكم بأنّ هذا المدرَك ، يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل ، إذ يحتمل انّ ما هو مناط الحكم عند الشارع ، غير ما أدركه العقل مناطاً ، أو أنّ هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل ، وإن كان ما أدرك مقتضياً لحكم الشارع». (١)
فخرجنا بالنتائج التالية :
أوّلاً : انّ حكم العقل بشيء يكشف عن كون الحكم عند الشرع كذلك شريطة أن يكون العقل قاطعاً ويكون المدرَك حكماً عاماً. وذلك لما عرفت من انّ المدرك حكم عام لا يختصّ بفرد دون فرد ، والشرع وغير الشرع فيه سيان ، كما هو الحال في الأمثلة المتقدمة.
ثانياً : إذا أدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في الأفعال إدراكاً نوعياً يستوي فيه جميع العقلاء ، كوجود المفسدة في استعمال المخدرات ، ففي مثله يكون حكم العقل ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي. دون ما لا يكون كذلك كادراك فرد أو فردين وجود المصلحة الملزِمة.
ثالثاً : استكشاف ملاكات الأحكام واستنباطها بالسبر والتقسيم ، ثمّ استكشاف حكم الشرع على وفقه أمر محظور ، لعدم إحاطة العقل بمصالح الأحكام ومفاسدها ، وسوف يوافيك عند البحث عن سائر مصادر الفقه عدم العبرة بالاستصلاح الذي عكف عليه مذهب المالكية.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الكلام يقع في المعنى الأوّل في موردين :
الأوّل : إمكان استقلال العقل بدرك حسن الشيء أو قبحه أو دركه الملازمة
__________________
(١). أُصول الفقه : ٢٣٩ / ١ ٢٤٠.