أمّا المعنى الثاني والثالث فلم يقل به أحد من أصحابنا إلّا الشاذّ النادر منهم ، وذلك لأنّ كون الفعل ذا مصلحة أو مفسدة عند الفقيه لا يكشف عن الحكم الشرعي لقصور العقل عن الإحاطة بالمصالح والمفاسد الواقعية ، فربما يُدرك المصلحة والمفسدة ويَغفل عن موانعهما ، فإدراك العقل المصالح والمفاسد لا يكون دليلاً على أنّها ملاكات تامة لتشريع الحكم على وفقها.
وهكذا المعنى الثالث ، فإنّ الخوض في تنقيح مناطات الأحكام عن طريق السبر والتقسيم من الخطر بمكان ، إذ انّى نعلم أنّ ما أدركه مناطاً للحكم هو المناط له ، فانّ العقل قاصر عن إدراك المناطات القطعية.
ثمّ لو افترضنا انّه أصاب في كشف المناط ، فمن أين علم أنّه تمام المناط ولعلها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضم إليه في الواقع ولم يصل الفقيه إليه؟
ولأجل ذلك رفض أصحابنا قاعدة الاستصلاح والمصالح المرسلة وهكذا استنباط العلّة عن طريق القياس ، بمعنى السبر والتقسيم.
نعم يستثنى من المعنى الثاني ، المصالح والمفاسد العامة التي أطبق العقلاء عامة على صلاحها أو فسادها على نحو صار من الضروريات ، وهذا كتعاطي المخدّرات التي أطبق العقلاء على ضررها ؛ ومثله التلقيح الوقائي عند ظهور الأمراض السارية كالجُدري ، والحصبة وغيرهما ، فقد أصبح من الأُمور التي لا يتردّد في صلاحيتها ذوو الاختصاص.
ولشيخنا المظفر قدَّس سرّه كلام يشير إلى خروج المعنيين عن محط النزاع ، بنصّ واحد لا بأس بنقله :
«لا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية ، فإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر ، ولم يكن إدراكه مستنداً إلى