ليس هنا أمر مستور يُكشف عنه ، فالاستدلال بإطلاق الظاهر أو عمومه ، ليس تفسيراً ، ورافعاً لإبهامه بل هو من قبيل تطبيق الظاهر على مصاديقه ، والتفسير عبارة عن كشف القناع عن وجه الآية ، كالغطاء الموجود في الصلاة الوسطى في قوله سبحانه : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (١) فحملها على إحدى الصلوات ، يقال انّه تفسير وكشف للقناع.
فإذا لم يكن حمل الظاهر على معنى على أنّه المراد ، تفسيراً للآية يكون بالنسبة إلى الجزء الآخر «برأيه» أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع.
الثاني : اختصاص فهم القرآن بأهله. يظهر من مذاكرة الإمام أبا حنيفة وقتادة انّه لا يفهم القرآن إلّا من خوطب به ، وهم أئمّة أهل البيت ، وإليك نصّ ما دار بينهما من الحوار :
«يا أبا حنيفة! تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟» قال : نعم.
قال : «يا أبا حنيفة : لقد ادّعيت علماً ، ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ولا هو إلّا عند الخاص من ذريّة نبيّنا محمّد ، وما ورثك الله عن كتابه حرفاً». (٢)
أقول : إنّ الرواية لا تنفي عن أبي حنيفة المعرفة الإجمالية ، وإنّما تنفي حقّ المعرفة ، وهو لا يتحقّق إلّا بمعرفة الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمطلق والمقيد إلى غير ذلك من القرائن المنفصلة التي تؤثِّر في الاحتجاج بالآية ، وكلّها مخزونة عند أئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) ، فمن عمل بظاهر الآية ، بعد الرجوع إليهم في
__________________
(١). البقرة : ٢٣٨.
(٢). وسائل الشيعة : الجزء ١٨ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٧.