أمّا الإمكان بالمعنى الأوّل الذي يعبّر عنه بالإمكان الماهوي فهو أمر لا سترة عليه ، ضرورة انّ التعبّد بالخبر ليس واجباً ولا ممتنعاً فيُصبح أمراً ممكناً بالذات ، فنسبة جواز التعبد إلى الخبر كنسبة الوجود والعدم بالنسبة إلى الإنسان ، فالبحث عن الإمكان بهذا المعنى ، أمر خارج عن محط البحث.
وأمّا الإمكان بالمعنى الثاني وهو الذي لا يمنع عن وقوعه مانع خارجي عن الذات بعد إمكانه الذاتي فهو داخل محطّ البحث.
وهذا نظير إدخال المطيع في النار ، فإنّه وإن كان ممكناً بالذات ، لأنّه سبحانه قادر على الحَسن والقبيح ، لكن غير ممكن وقوعاً لمخالفته لعدله وحكمته ، فهو ممكن بالذات غير ممكن وقوعاً.
فذهب بعضهم كابن قبة (١) إلى امتناع التعبّد بالظن وقوعاً واستدلّ له بوجهين :
الأوّل : لو جاز العمل بالخبر الواحد في الفروع ، لجاز العمل به في الأُصول ، فلو أخبر أحد من الله سبحانه لزم قبول قوله إذا كان عادلاً بلا حاجة إلى طلب البيّنة والمعجزة.
يلاحظ عليه : أنّ الأمر في الفروع أسهل ، فقبول الخبر فيها لا يلازم قبول خبره في ادّعاء النبوة التي هي أمر خطير.
الثاني : انّه يستلزم تحليل الحرام أو تحريم الحلال ، فإذا كان الحكم الواقعي هو الحلية وقام خبر الواحد على الحرمة أو بالعكس وقلنا بحجّيته ، يلزم أحد المحذورين.
__________________
(١). محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي المتكلّم المعاصر لأبي القاسم البلخي الذي توفّي عام ٣١٧ وقد توفى ابن قبة قبله بقليل. لاحظ رجال النجاشي برقم ١٠٢٤.