والحرام : الشيء الممنوع ، قال عنترة :
حرمت عليّ وليتها لم تحرم
أي : منعت أي منعها أهلها.
أي ممنوع على قرية قدّرنا إهلاكها أن لا يرجعوا ، ف (حَرامٌ) خبر مقدم و (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) في قوة مصدر مبتدأ. والخبر عن (أنّ) وصلتها لا يكون إلّا مقدّما ، كما ذكره ابن الحاجب في «أماليه» في ذكر هذه الآية.
وفعل (أَهْلَكْناها) مستعمل في إرادة وقوع الفعل ، أي أردنا إهلاكها.
والرجوع : العود إلى ما كان فيه المرء ؛ فيحتمل أن المراد رجوعهم عن الكفر فيتعين أن تكون (لا) في قوله تعالى : (لا يَرْجِعُونَ) زائدة للتوكيد ، لأن (حرام) في معنى النفي و (لا) نافية ونفي النفي إثبات ، فيصير المعنى منع عدم رجوعهم إلى الإيمان ، فيؤول إلى أنهم راجعون إلى الإيمان. وليس هذا بمراد فتعين أن المعنى : منع على قرية قدرنا هلاكها أن يرجعوا عن ضلالهم لأنه قد سبق تقدير هلاكها. وهذا إعلام بسنة الله تعالى في تصرفه في الأمم الخالية مقصود منه التعريض بتأييس فريق من المشركين من المصير إلى الإيمان وتهديدهم بالهلاك. وهؤلاء هم الذين قدّر الله هلاكهم يوم بدر بسيوف المؤمنين.
ويجوز أن يراد رجوعهم إلى الآخرة بالبعث ، وهو المناسب لتفريعه على قوله تعالى : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٣] فتكون (لا) نافية. والمعنى : ممنوع عدم رجوعهم إلى الآخرة الذي يزعمونه ، أي دعواهم باطلة ، أي فهم راجعون إلينا فمجازون على كفرهم ، فيكون إثباتا للبعث بنفي ضده ، وهو أبلغ من صريح الإثبات لأنه إثبات بطريق الملازمة فكأنه إثبات الشيء بحجة. ويفيد تأكيدا لقوله تعالى : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٣].
وجملة (أَهْلَكْناها) إدماج للوعيد بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة.
وفعل (أَهْلَكْناها) مستعمل في أصل معناه ، أي وقع إهلاكنا إياها. والمعنى : ما من قرية أهلكناها فانقرضت من الدنيا إلا وهم راجعون إلينا بالبعث. وقيل (حَرامٌ) اسم مشترك بين الممنوع والواجب ، وأنشدوا قول الخنساء :
وإن حراما لا أرى الدهر باكيا |
|
على شجوه إلا بكيت على صخر |