عن شدة ذلك الهول لأن استلزام ذهول المرضع عن رضيعها لشدّة الهول يستلزم شدّة الهول لغيرها بطريق الأولى ، فهو لزوم بدرجة ثانية ، وهذا النوع من الكناية يسمى الإيماء.
و (ما) في (عَمَّا أَرْضَعَتْ) موصولة ما صدقها الطفل الرضيع. والعائد محذوف لأنه ضمير متصل منصوب بفعل ، وحذف مثله كثير.
والإتيان بالموصول وصلته في تعريف المذهول عنه دون أن يقول عن ابنها للدلالة على أنها تذهل عن شيء هو نصب عينها وهي في عمل متعلّق به وهو الإرضاع زيادة في التكني عن شدة الهول.
وقوله (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) هو كناية أيضا كقوله (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ). ووضع الحمل لا يكون إلا لشدة اضطراب نفس الحامل من فرط الفزع والخوف لأنّ الحمل في قرار مكين.
والحمل : مصدر بمعنى المفعول ، بقرينة تعلقه بفعل (تَضَعُ) أي تضع جنينها.
والتعبير ب (ذاتِ حَمْلٍ) دون التعبير : بحامل ، لأنه الجاري في الاستعمال في الأكثر. فلا يقال : امرأة حامل ، بل يقال : ذات حمل قال تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤] ، مع ما في هذه الإضافة من التنبيه على شدة اتصال الحمل بالحامل فيدل على أن وضعها إياه لسبب مفظع.
والقول في حمله على الحقيقة أو على معنى الكناية كالقول في (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ).
والخطاب في (تَرَى النَّاسَ) لغير معيّن ، وهو كل من تتأتى منه الرؤية من الناس ، فهو مساو في المعنى للخطاب الذي في قوله (يَوْمَ تَرَوْنَها) ، وإنما أوثر الإفراد هنا للتفنن كراهية إعادة الجمع. وعدل عن فعل المضي إلى المضارع في قوله (وَتَرَى) لاستحضار الحالة والتعجيب منها كقوله (فَتُثِيرُ سَحاباً) [الروم : ٤٨] وقوله (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) [هود : ٣٨].
وقرأ الجمهور (سُكارى) ـ بضم السين المهملة وبألف بعد الكاف ـ. ووصف الناس بذلك على طريقة التشبيه البليغ. وقوله بعده (وَما هُمْ بِسُكارى) قرينة على قصد التشبيه وليبنى عليه قوله بعده (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ).
وقرأه حمزة والكسائي (سُكارى) بوزن عطشى في الموضعين. وسكارى وسكرى