تشبيها لجملة الخبر عن الموصول بجملة الجزاء لشبه الموصول بالشرط قصدا لتقوية الإخبار. والمصدر المنسبك من قوله (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) في تقدير مبتدأ هو صدر للجملة الواقعة خبرا عن (من) الموصولة. والتقدير : فإضلاله إياه ودلالته إياه إلى عذاب السعير. وخبر هذا المبتدأ مقدر لأنه حاصل من معنى إسناد فعلي الإضلال والهداية إلى ضمير المبتدأ. والتقدير : ثابتان.
ويجوز أن تجعل الفاء في قوله (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) فاء تفريع ويجعل ما بعدها معطوفا على (مَنْ تَوَلَّاهُ) ويكون المعطوف هو المقصود من الإخبار كما هو مقتضى التفريع. والتقدير: كتب عليه ترتب الإضلال منه لمتولّيه وترتب إيصاله متوليه إلى عذاب السعير.
هذان هما الوجهان في نظم الآية وما عداهما تكلفات.
واعلم أن ما نظمت به الآية هنا لا يجري على نظم قوله تعالى في [سورة براءة : ٦٣] (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) لأن مقتضى فعل العلم غير مقتضى فعل (كتب). فلذلك كانت (من) في قوله (مَنْ يُحادِدِ) شرطية لا محالة وكان الكلام جاريا على اعتبار الشرطية وكان الضمير هنالك في قوله (أَنَّهُ) ضمير شأن.
ولما كان الضلال مشتهرا في معنى البعد عن الخير والصلاح لم يحتج في هذه الآية إلى ذكر متعلق فعل (يُضِلُّهُ) لظهور المعنى.
وذكر متعلق فعل (يَهْدِيهِ) وهو (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) لأن تعلقه به غريب إذ الشأن أن يكون الهدي إلى ما ينفع لا إلى ما يضر ويعذب.
وفي الجمع بين (يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ) محسن الطباق بالمضادة. وقد عدّ من هذا الفريق الشامل له قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) النضر بن الحارث. وقيل نزلت فيه ؛ كان كثير الجدل يقول : الملائكة بنات الله ، والقرآن أساطير الأولين ، والله غير قادر على إحياء أجساد بليت وصارت ترابا. وعد منهم أيضا أبو جهل ، وأبيّ بن خلف. ومن قال : إن المقصود بقوله (مَنْ يُجادِلُ) معينا خص الآية به ، ولا وجه للتخصيص وما هو إلا تخصيص بالسبب.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى