عطف على جملة (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) ، والخطاب لغير معيّن فيعم كل من يسمع هذا الكلام.
وهذا ارتقاء في الاستدلال على الإحياء بعد الموت بقياس التمثيل لأنه استدلال بحالة مشاهدة فلذلك افتتح بفعل الرؤية ، بخلاف الاستدلال بخلق الإنسان فإن مبدأه غير مشاهد فقيل في شأنه (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) الآية. ومحل الاستدلال من قوله تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) ، فهو مناسب قوله في الاستدلال الأول (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) ، فهمود الأرض بمنزلة موت الإنسان واهتزازها وإنباتها بعد ذلك يماثل الإحياء بعد الموت.
والهمود : قريب من الخمود ، فهمود الأرض جفافها وزوال نبتها ، وهمود النار خمودها.
والاهتزاز : التحرك إلى أعلى ، فاهتزاز الأرض تمثيل لحال ارتفاع ترابها بالماء وحال ارتفاع وجهها بما عليه من العشب بحال الذي يهتز ويتحرك إلى أعلى.
وربت : حصل لها ربو ـ بضمّ الراء وضم الموحدة ـ وهو ازدياد الشيء يقال : ربا يربو ربوا ، وفسر هنا بانتفاخ الأرض من تفتق النبت والشجر. وقرأ أبو جعفر وربأت بهمزة مفتوحة بعد الموحدة ، أي ارتفعت. ومنه قولهم : ربأ بنفسه عن كذا ، أي ارتفع مجازا ، وهو فعل مشتق من اسم الربيئة وهو الذي يعلو ربوة من الأرض لينظر هل من عدوّ يسير إليهم.
والزوج : الصنف من الأشياء. أطلق عليه اسم الزوج تشبيها له بالزوج من الحيوان وهو صنف الذكر وصنف الأنثى ، لأن كل فرد من أحد الصنفين يقترن بالفرد من الصنف الآخر فيصير زوجا فيسمى كلّ واحد منهما زوجا بهذا المعنى ، ثم شاع إطلاقه على أحد الصنفين ، ثم أطلق على كلّ نوع وصنف وإن لم يكن ذكرا ولا أنثى ، فأطلق هنا على أنواع النبات.
والبهيج : الحسن المنظر السارّ للناظر ، وقد سيق هذا الوصف إدماجا للامتنان في أثناء الاستدلال امتنانا بجمال صورة الأرض المنبتة ، لأن كونه بهيجا لا دخل له في الاستدلال ، فهو امتنان محض كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦] وقوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [الملك : ٥].