المشركين بالانقراض بقاعدة قياس المساواة ، وأن الله ينشئ بعدهم أمّة مؤمنة كقوله تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) في سورة [إبراهيم : ١٩].
و (كم) اسم ، له حقّ صدر الكلام لأن أصله اسم استفهام عن العدد ، وشاع استعماله للإخبار عن كثرة الشيء على وجه المجاز لأن الشيء الكثير من شأنه أن يستفهم عنه ، والتقدير : قصمنا كثيرا من القرى ف (كم) هنا خبرية. وهي واقعة في محل نصب بفعل (قَصَمْنا).
وفي (كم) الدالة على كثرة العدد إيماء إلى أن هذه الكثرة تستلزم عدم تخلف إهلاك هذه القرى ، وبضميمة وصف تلك الأمم بالظلم أي الشرك إيماء إلى سبب الإهلاك فحصل منه ومن اسم الكثرة معنى العموم ، فيعلم المشركون التهديد بأن ذلك حالّ بهم لا محالة بحكم العموم ، وأن هذا ليس مرادا به قرية معينة ، فما روي عن ابن عباس : «أن المراد بالقرية (حضوراء) ـ بفتح الحاء ـ مدينة باليمن قتلوا نبيئا اسمه شعيب بن ذي مهدم في زمن أرمياء نبيء بني إسرائيل فسلط الله عليهم بختنصر فأفناهم». فإنما أراد أن هذه القرية ممن شملتهم هذه الآية ، والتقدير : قصمنا كثيرا. وقد تقدم الكلام على قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) في سورة [الأنعام : ٦].
وأطلق القرية على أهلها كما يدل عليه قوله تعالى (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ).
ووجه اختيار لفظ (قَرْيَةٍ) هنا نظير ما قدمناه آنفا في قوله تعالى (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأنبياء : ٦].
وحرف (من) في قوله تعالى (مِنْ قَرْيَةٍ) لبيان الجنس ، وهي تدخل على ما فيه معنى التمييز وهي هنا تمييز لإبهام (كم).
والقصم : الكسر الشديد الذي لا يرجى بعده التئام ولا انتفاع. واستعير للاستيصال والإهلاك القوي كإهلاك عاد وثمود وسبأ.
وجملة (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) معترضة بين جملة (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) وجملة (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) إلخ. فجملة (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) إلخ تفريع على جملة (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ).
وضمير (مِنْها) عائد إلى (قَرْيَةٍ).