سورة النجم لما سجد المسلمون ، وذلك مروي في الصحيح ، فذلك من تخليط المؤلفين.
وكذلك تركيب تلك القصة على آية سورة الحجّ. وكم بين نزول سورة النجم التي هي من أوائل السور النازلة بمكة وبين نزول سورة الحج التي بعضها من أول ما نزل بالمدينة وبعضها من آخر ما نزل بمكة.
وكذلك ربط تلك القصة بقصة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة. وكم بين مدّة نزول سورة النجم وبين سنة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة.
فالوجه : أن هذه الشائعة التي أشيعت بين المشركين في أول الإسلام ، إنما هي من اختلافات المستهزئين من سفهاء الأحلام بمكة مثل ابن الزبعرى ، وأنهم عمدوا إلى آية ذكرت فيها اللات والعزّى ومناة فركّبوا عليها كلمات أخرى لإلقاء الفتنة في الناس وإنما خصّوا سورة النجم بهذه المرجفة لأنهم حضروا قراءتها في المسجد الحرام وتعلقت بأذهانهم وتطلبا لإيجاد المعذرة لهم بين قومهم على سجودهم فيها الذي جعله الله معجزة النبيصلىاللهعليهوسلم. وقد سرى هذا التعسف إلى إثبات معنى في اللغة ، فزعموا أن (تَمَنَّى) بمعنى : قرأ ، والأمنية : القراءة ، وهو ادّعاء لا يوثق به ولا يوجد له شاهد صريح في كلام العرب. وأنشدوا بيتا لحسان بن ثابت في رثاء عثمان رضياللهعنه :
تمنّى كتاب الله أول ليله |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |
وهو محتمل أن معناه تمنّى أن يقرأ القرآن في أول الليل على عادته فلم يتمكّن من ذلك بتشغيب أهل الحصار عليه وقتلوه آخر الليل. ولهذا جعله تمنيا لأنه أحب ذلك فلم يستطع. وربما أنشدوه برواية أخرى فظنّ أنه شاهد آخر ، وربما توهموا الرواية الثانية بيتا آخر. ولم يذكر الزمخشري هذا المعنى في «الأساس». وقد قدمنا ذلك عند قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) في سورة [البقرة : ٧٨].
وجملة (إِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) معترضة. والواو للاعتراض ، والذين أوتوا العلم هم المؤمنون. وقد جمع لهم الوصفان كما في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) في سورة [الروم : ٥٦]. وكما في سورة [سبأ : ٦] (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ). فإظهار لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) في مقام ضمير (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) لقصد مدحهم بوصف الإيمان ، والإيماء إلى أن إيمانهم هو سبب هديهم. وعكسه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي