إلا بأسانيد واهية ومنتهاها إلى ذكر قصة ، وليس في أحد أسانيدها سماع صحابي لشيء في مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم وسندها إلى ابن عباس سند مطعون. على أنّ ابن عباس يوم نزلت سورة النجم كان لا يحضر مجالس النبي صلىاللهعليهوسلم وهي أخبار آحاد تعارض أصول الدين لأنها تخالف أصل عصمة الرسول صلىاللهعليهوسلم لا التباس عليه في تلقي الوحي. ويكفي تكذيبا لها قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم : ٣] وفي معرفة الملك. فلو رووها الثقات لوجب رفضها وتأويلها فكيف وهي ضعيفة واهية. وكيف يروج على ذي مسكة من عقل أن يجتمع في كلام واحد تسفيه المشركين في عبادتهم الأصنام بقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) [النجم : ١٩] إلى قوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [النجم : ٢٣] فيقع في خلال ذلك مدحها بأنها «الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى». وهل هذا إلا كلام يلعن بعضه بعضا. وقد اتفق الحاكون أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ سورة النجم كلها حتى خاتمتها (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) [النجم : ٦٢] لأنهم إنما سجدوا حين سجد المسلمون ، فدلّ على أنهم سمعوا السورة كلها وما بين آية (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) [النجم : ١٩] وبين آخر السورة آيات كثيرة في إبطال الأصنام وغيرها من معبودات المشركين ، وتزييف كثير لعقائد المشركين فكيف يصحّ أن المشركين سجدوا من أجل الثناء على آلهتهم. فإن لم تكن تلك الأخبار مكذوبة من أصلها فإن تأويلها : أن بعض المشركين وجدوا ذكر اللات والعزّى فرصة للدخل لاختلاق كلمات في مدحهنّ ، وهي هذه الكلمات وروّجوها بين الناس تأنيسا لأوليائهم من المشركين وإلقاء للريب في قلوب ضعفاء الإيمان.
وفي «شرح الطيبي على الكشاف» نقلا عن بعض المؤرّخين : أن كلمات «الغرانيق ...» (أي هذه الجمل) من مفتريات ابن الزّبعرى. ويؤيد هذا ما رواه الطبري عن الضحاك : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم أنزل عليه قصة آلهة العرب (أي قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) [النجم : ١٩] إلخ) فجعل يتلو : اللّات والعزّى (أي الآية المشتملة على هذا) فسمع أهل مكة نبيء الله يذكر آلهتهم ففرحوا ودنوا يستمعون فألقى الشيطان تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى» فإن قوله : «دنوا يستمعون فألقى الشيطان» إلخ يؤذن بأنهم لم يسمعوا أول السورة ولا آخرها وأن شيطانهم ألقى تلك الكلمات. ولعل ابن الزبعرى كانت له مقدرة على محاكاة الأصوات وهذه مقدرة توجد في بعض الناس. وكنت أعرف فتى من أترابنا ما يحاكي صوت أحد إلا ظنه السامع أنه صوت المحاكى.
وأما تركيب تلك القصة على الخبر الذي ثبت فيه أنّ المشركين سجدوا في آخر