تقدم من قوله (فَيَنْسَخُ اللهُ) إلى قوله (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) ، أي أن المذكور هو الحق ، كقول رؤبة :
فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنه في الجلد توليع البهق |
أي كان كالمذكور.
وقوله (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) معناه : فيزدادوا إيمانا أو فيؤمنوا بالناسخ والمحكم كما آمنوا بالأصل.
والإخبات : الاطمئنان والخشوع. وتقدم آنفا عند قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج : ٣٤] ، أي فيستقر ذلك في قلوبهم كقوله تعالى : (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠].
وبما تلقيت في تفسير هذه الآية من الانتظام البيّن الواضح المستقل بدلالته والمستغني بنهله عن علالته ، والسالم من التكلّفات والاحتياج إلى ضميمة القصص ترى أن الآية بمعزل عما ألصقه بها الملصقون والضعفاء في علوم السّنّة ، وتلقاه منهم فريق من المفسرين حبا في غرائب النوادر دون تأمل ولا تمحيص ، من أن الآية نزلت في قصة تتعلق بسورة النجم فلم يكتفوا بما أفسدوا من معنى الآية حتى تجاوزوا بهذا الإلصاق إلى إفساد معاني سورة النجم ، فذكروا في ذلك روايات عن سعيد بن جبير ، وابن شهاب ، ومحمد بن كعب القرطبي ، وأبي العالية ، والضحاك وأقربها رواية عن ابن شهاب وابن جبير والضحاك قالوا : إنّ النبيصلىاللهعليهوسلم جلس في ناد من أندية قريش كثير أهله من مسلمين وكافرين ، فقرأ عليهم سورة النجم فلما بلغ قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ١٩ ، ٢٠] ألقى الشيطان بين السامعين عقب ذلك قوله : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ففرح المشركون بأن ذكر آلهتهم بخير ، وكان في آخر تلك السورة سجدة من سجود التلاوة ، فلما سجد في آخر السورة سجد كلّ من حضر من المسلمين والمشركين ، وتسامع الناس بأن قريشا أسلموا حتى شاع ذلك ببلاد الحبشة ، فرجع من مهاجرة الحبشة نفر منهم عثمان بن عفان إلى المدينة ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يشعر بأن الشيطان ألقى في القوم ، فأعلمه جبريل عليهالسلام فاغتمّ لذلك فنزل قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) الآية تسلية له.
وهي قصة يجدها السامع ضغثا على إبالة ، ولا يلقي إليها النّحرير باله. وما رويت