وأما لام (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) فهي على أصل معنى التّعليل ، أي ينسخ الله ما يلقي الشيطان لإرادة أن يعلم المؤمنون أنه الحق برسوخ ما تمناه الرسول والأنبياء لهم من الهدى كما يحصل لهم بما يحكم الله من آياته ازدياد الهدى في قلوبهم.
و (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هم المتردّدون في قبول الإيمان. و (الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) هم الكافرون المصممون على الكفر. والفريقان هم المراد ب (الظَّالِمِينَ) في قوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ). فذكر (الظَّالِمِينَ) إظهار في مقام الإضمار للإيماء إلى أن علّة كونهم في شقاق بعيد هي ظلمهم ، أي كفرهم.
والشقاق : الخلاف والعداوة.
والبعيد هنا مستعمل في معنى : البالغ حدّا قويا في حقيقته. تشبيها لانتشار الحقيقة فيه بانتشار المسافة في المكان البعيد كما في قوله تعالى (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) [فصلت : ٥١] أي دعاء كثير ملح.
وجملة (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) معترضة بين المتعاطفات.
و (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) هم المؤمنون بقرينة مقابلته ب (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وبقوله (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). فالمراد بالعلم الوحي والكتب التي أوتيها أصحاب الرسل السابقين فإنهم بها يصيرون من أهل العلم.
وإطلاق (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) على المؤمنين تكرر في القرآن.
وهذا ثناء على أصحاب الرسل بأنهم أوتوا العلم ، وهو علم الدّين الذي يبلغهم الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فإن نور النّبوءة يشرق في قلوب الذين يصحبون الرسول. ولذلك تجد من يصحب الرسول صلىاللهعليهوسلم قد يكون قبل الإيمان جلفا فإذا آمن انقلب حكيما ، مثل عمر بن الخطاب رضياللهعنه.
وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».
وضمير (أَنَّهُ الْحَقُ) عائد إلى العلم الذي أوتوه ، أي ليزدادوا يقينا بأن الوحي الذي أوتوه هو الحق لا غيره مما ألقاه الشيطان لهم من التشكيك والشبه والتضليل ، فالقصر المستفاد من تعريف الجزأين قصر إضافي. ويجوز أن يكون ضمير (أَنَّهُ) عائدا إلى ما