حَلِيمٌ (٥٩))
آذنت الغاية التي في قوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) [الحج : ٥٥] أن ذلك وقت زوال مرية الذين كفروا ، فكان ذلك منشأ سؤال سائل عن صورة زوال المرية : وعن ما ذا يلقونه عند زوالها ، فكان المقام أن يجاب السؤال بجملة (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) إلى آخر ما فيها من التفصيل ، فهي استئناف بياني.
فقوله (يَوْمَئِذٍ) تقدير مضافه الذي عوّض عنه التنوين : يوم إذ تزول مريتهم بحلول الساعة وظهور أن ما وعدهم الله هو الحق ، أو يوم إذ تأتيهم الساعة بغتة.
وجملة (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) اشتمال من جملة (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ).
والحكم بينهم : الحكم فيما اختلفوا فيه من ادّعاء كل فريق أنه على الحق وأن ضده على الباطل ، الدال عليه قوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) [الحج : ٥٤] وقوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) [الحج : ٥٥] فقد يكون الحكم بالقول ، وقد يكون بظهور آثار الحق لفريق وظهور آثار الباطل لفريق ، وقد فصل الحكم بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلخ ، وهو تفصيل لأثر الحكم يدلّ على تفصيل أصله ، أي ذلك حكم الله بينهم في ذلك اليوم.
وأريد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات عمومه. وخص بالذكر منهم الذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا تنويها بشأن الهجرة ، ولأجلها استوى أصحابها في درجات الآخرة سواء منهم من قتل في سبيل الله أو مات في غير قتال بعد أن هاجر من دار الكفر.
والتعريف في (الْمُلْكُ) تعريف الجنس ، فدلّت جملة (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) على أن ماهية الملك مقصورة يومئذ على الكون ملكا لله ، كما تقدم في قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] أي لا ملك لغيره يومئذ.
والمقصود بالكلام هو جملة (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) إذ هم البدل. وإنما قدمت جملة (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) تمهيدا لها وليقع البيان بالبدل بعد الإبهام الذي في المبدل منه.
وافتتح الخبر عن الذين كفروا باسم الإشارة في قوله (فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) للتنبيه على أنهم استحقوا العذاب المهين لأجل ما تقدم من صفتهم بالكفر والتكذيب بالآيات.