رَزَقَهُمْ) [الحج : ٣٤] الآية. وقد فصل بين الكلامين ما اقتضى الحال استطراده من قوله: (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج : ٣٧ ـ ٣٨] إلى هنا ، فعاد الكلام إلى الغرض الذي في قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) [الحج : ٣٤] الآية ليبنى عليه قوله : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ). فهذا استدلال على توحيد الله تعالى بما سبق من الشرائع لقصد إبطال تعدد الآلهة ، بأن الله ما جعل لأهل كلّ ملة سبقت إلا منسكا واحدا يتقرّبون فيه إلى الله لأنّ المتقرّب إليه واحد. وقد جعل المشركون مناسك كثيرة فلكلّ صنم بيت يذبح فيه مثل الغبغب للعزّى ، قال النّابغة :
وما هريق على الأنصاب من جسد |
|
......................... |
(أي دم). وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) [الحج : ٣٤] كما تقدم آنفا.
فالجملة استئناف. والمناسبة ظاهرة ولذلك فصلت الجملة ولم تعطف كما عطفت نظيرتها المتقدمة.
والمنسك ـ بفتح الميم وفتح السين ـ : اسم مكان النّسك بضمهما كما تقدّم. وأصل النّسك العبادة ويطلق على القربان ، فالمراد بالنسك هنا مواضع الحج بخلاف المراد به في الآية السابقة فهو موضع القربان. والضمير في (ناسِكُوهُ) منصوب على نزع الخافض ، أي ناسكون فيه.
وفي «الموطأ» : «أن قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقزح ، وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة فكانوا يتجادلون يقول هؤلاء : نحن أصوب ، ويقول هؤلاء : نحن أصوب ، فقال الله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) الآية ، فهذا الجدال فيما نرى والله أعلم وقد سمعت ذلك من أهل العلم اه.
قال الباجي في «المنتقى» : «وهو قول ربيعة». وهذا يقتضي أن أصحاب هذا التفسير يرون الآية قد نزلت بعد فرض الحج في الإسلام وقبل أن يمنع المشركون منه ، أي نزلت في سنة تسع ، والأظهر خلافه كما تقدم في أول السورة.
وفرّع على هذا الاستدلال أنهم لم تبق لهم حجة ينازعون بها النبي صلىاللهعليهوسلم في شأن التوحيد بعد شهادة الملل السابقة كلها ، فالنهي ظاهره موجّه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لأن ما أعطيه