تعالى : (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) في سورة [الأحقاف : ٣] إلى غير هذه من الآيات.
فكذلك هذه الآية عقب بها ذكر القوم المهلكين ، والمقصود من ذلك إيقاظ العقول إلى الاستدلال بما في خلق السماوات والأرض وما بينهما من دقائق المناسبات وإعطاء كلّ مخلوق ما به قوامه ، فإذا كانت تلك سنة الله في خلق العوالم ظرفها ومظروفها ، استدل بذلك على أن تلك السنة لا تتخلف في ترتب المسببات على أسبابها فيما يأتيه جنس المكلفين من الأعمال ، فإذا ما لاح لهم تخلف سبب عن سببه أيقنوا أنه تخلف مؤقت فإذا علمهم الله على لسان شرائعه بأنه ادخر الجزاء الكامل على الأعمال إلى يوم آخر آمنوا به ، وإذا علّمهم أنهم لا يفوتون ذلك بالموت بل إن لهم حياة آخرة وأن الله باعثهم بعد الموت أيقنوا بها ، وإذا علمهم أنه ربما عجل لهم بعض الجزاء في الحياة الدنيا أيقنوا به.
ولذلك كثر تعقيب ذكر نظام خلق السماوات والأرض بذكر الجزاء الآجل والبعث وإهلاك بعض الأمم الظالمة ، أو تعقيب ذكر البعث والجزاء الآجل والعاجل بذكر نظام خلق السماوات والأرض.
وحسبك تعقيب ذلك بالتفريع بالفاء في قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) الآيات ختام سورة [آل عمران : ١٩٠ ـ ١٩١].
ولأجل هذا اطرد أو كاد أن يطرد ذكر لفظ (وَما بَيْنَهُما) بعد ذكر خلق السماوات والأرض في مثل هذا المقام لأن تخصيص ما بينهما بالذكر يدل على الاهتمام به لأن أشرفه هو نوع الإنسان المقصود بالعبرة والاستدلال وهو مناط التكليف. فليس بناء الكلام على أن يكون الخلق لعبا منظورا فيه إلى رد اعتقاد معتقد ذلك ولكنه بني على النفي أخذا لهم بلازم غفلتهم عن دقائق حكمة الله بحيث كانوا كقائلين بكون هذا الصنع لعبا.
واللعب : العمل أو القول الذي لا يقصد به تحصيل فائدة من مصلحة أو دفع مفسدة ولا تحصيل نفع أو دفع ضر. وإنما يقصد به إرضاء النفس حين تميل إلى العبث كما قيل : «لا بد للعاقل من حمقة يعيش بها». ويرادفه العبث واللهو ، وضده : الجد. واللعب من الباطل إذ ليس في عمله حكمة فضده الحقّ أيضا.