أحدهما : أن يقدّر الفاعل الله تعالى وأن يكون المثل تشبيها تمثيليا ، أي أوضح الله تمثيلا يوضح حال الأصنام في فرط العجز عن إيجاد أضعف المخلوقات كما هو مشاهد لكلّ أحد.
والثاني : أن يقدّر الفاعل المشركين ويكون المثل بمعنى المماثل ، أي جعلوا أصنامهم مماثلة لله تعالى في الإلهية.
وصيغة الماضي في قوله (ضُرِبَ) مستعملة في تقريب زمن الماضي من الحال على الاحتمال الأول ، نحو قوله تعالى : (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) [النساء : ٩] ، أي لو شارفوا أن يتركوا ، أي بعد الموت.
وجملة (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى آخرها يجوز أن تكون بيانا لفعل (ضُرِبَ) على الاحتمال الأول في التقدير ، أي بين تمثيل عجيب.
ويجوز أن تكون بيانا للفظ (مَثَلٌ) لما فيها من قوله : (تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) على الاحتمال الثاني.
وفرع على ذلك المعنى من الإيجاز قوله : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) لاسترعاء الأسماع إلى مفاد هذا المثل مما يبطل دعوى الشركة لله في الإلهية ، أي استمعوا استماع تدبّر.
فصيغة الأمر في (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) مستعملة في التحريض على الاحتمال الأول ، وفي التعجيب على الاحتمال الثاني. وضمير (لَهُ) عائد على المثل على الاحتمال الأول لأنّ المثل على ذلك الوجه من قبيل الألفاظ المسموعة ، وعائد على الضّرب المأخوذ من فعل (ضُرِبَ) على الاحتمال الثاني على طريقة (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، أي استمعوا للضرب ، أي لما يدلّ على الضرب من الألفاظ ، فيقدر مضاف بقرينة (فَاسْتَمِعُوا) لأن المسموع لا يكون إلّا ألفاظا ، أي استمعوا لما يدلّ على ضرب المثل المتعجّب منه في حماقة ضاربيه.
واستعملت صيغة الماضي في (ضُرِبَ) مع أنه لمّا يقل لتقريب زمن الماضي من الحال كقوله : (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) [النساء : ٩] ، أي لو قاربوا أن يتركوا ، وذلك تنبيه للسامعين بأن يتهيئوا لتلقي هذا المثل ، لما هو معروف لدى البلغاء من استشرافهم للأمثال ومواقعها.
والمثل : شاع في تشبيه حالة بحالة ، كما تقدّم في قوله (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ