والإخبار عن السماوات والأرض بأنهما رتق إخبار بالمصدر للمبالغة في حصول الصفة.
ثم إن قوله تعالى (كانَتا) يحتمل أن تكونا معا رتقا واحدا بأن تكون السماوات والأرض جسما ملتئما متصلا. ويحتمل أن تكون كل سماء رتقا على حدتها ، والأرض رتقا على حدتها وكذلك الاحتمال في قوله تعالى (فَفَتَقْناهُما).
وإنما لم يقل نحو : فصارتا فتقا ، لأن الرتق متمكن منهما أشدّ تمكن كما قلنا ليستدل به على عظيم القدرة في فتقهما ، ولدلالة الفعل على حدثان الفتق إيماء إلى حدوث الموجودات كلها وأن ليس منها أزلي.
والرتق يحتمل أن يراد به معان تنشأ على محتملاتها معان في الفتق ، فإن اعتبرنا الرؤية بصرية فالرتق المشاهد هو ما يشاهده الرائي من عدم تخلل شيء بين أجزاء السماوات وبين أجزاء الأرض ، والفتق هو ما يشاهده الرائي من ضد ذلك حين يرى المطر نازلا من السماء ويرى البرق يلعج منها والصواعق تسقط منها فذلك فتقها ، وحين يرى انشقاق الأرض بماء المطر وانبثاق النبات والشجر منها بعد جفافها ، وكل ذلك مشاهد مرئي دال على تصرف الخالق ، وفي هذا المعنى جمع بين العبرة والمنة ، كما قال ابن عطية أي هو عبرة دلالة على عظم القدرة وتقريب لكيفية إحياء الموتى كما قال تعالى : (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) في سورة فاطر [٩].
وإن اعتبرنا الرؤية علمية احتمل أن يراد بالرتق مثل ما أريد به على اعتبار كون الرؤية بصرية ، وكان الاستفهام أيضا إنكاريا متوجها إلى إهمالهم التدبر في المشاهدات. واحتمل أن يراد بالرتق معان غير مشاهدة ولكنها مما ينبغي طلب العلم به لما فيه من الدلائل على عظم القدرة وعلى الوحدانية ، فيحتمل أن يراد بالرتق والفتق حقيقتاهما ، أي الاتصال والانفصال. ثم هذا الاحتمال يجوز أن يكون على معنى الجملة ، أي كانت السماوات والأرض رتقا واحدا ، أي كانتا كتلة واحدة ثم انفصلت السماوات عن الأرض كما أشار إليه قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) في سورة هود[٧].
ويجوز على هذا الاحتمال أن يكون الرتق والفتق على التوزيع ، أي كانت السماوات رتقا في حد ذاتها وكانت الأرض رتقا في حد ذاتها ثم فتق الله السماوات وفتق الله الأرض ، وهذا كقوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ