وجملة (لا يَكُفُّونَ) مضاف إليها (حين). وضمير (يَكُفُّونَ) فيه وجهان : أحدهما بدا لي أن يكون الضمير عائدا إلى ملائكة العذاب فمعاد الضمير معلوم من المقام ، ونظائر هذا المعاد كثيرة في القرآن وكلام العرب. ومعنى الكف على هذا الوجه : الإمساك وهو حقيقته ، أي حين لا يمسك الملائكة اللفح بالنار عن وجوه المشركين. وتكون هذه الآية في معنى قوله تعالى في سورة [الأنفال : ٥٠] (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) فإن ذلك ضرب بسياط من نار ويكون ما هنا إنذار بما سيلقونه يوم بدر كما أن آية الأنفال حكاية لما لقوه يوم بدر.
وذكر الوجوه والأدبار للتنكيل بهم وتخويفهم لأن الوجوه أعز الأعضاء على الناس كما قال عباس بن مرداس :
نعرّض للسيوف إذا التقينا |
|
وجوها لا تعرض للطام |
ولأن الأدبار يأنف الناس من ضربها لأن ضربها إهانة وهزي ، ويسمى الكسع.
والوجه الثاني : أن يكون ضمير (يَكُفُّونَ) عائدا إلى الذين كفروا ، والكفّ بمعنى الدّرء والستر مجازا بعلاقة اللزوم ، أي حين لا يستطيعون أن يدفعوا النار عن وجوههم بأيديهم ولا عن ظهورهم. أي حين تحيط بهم النار مواجهة ومدابرة. وذكر الظهور بعد ذكر الوجوه عن هذا الاحتمال احتراس لدفع توهم أنهم قد يكفّونها عن ظهورهم إن لم تشتغل أيديهم بكفها عن وجوههم.
وهذا الوجه هو الذي اقتصر عليه جميع من لدينا كتبهم من المفسرين. والوجه الأول أرجح معنى ، لأنه المناسب مناسبة تامة للكافرين الحاضرين المقرعين ولتكذيبهم بالوعيد بالهلاك في قولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ) ولقوله تعالى (سَأُرِيكُمْ آياتِي) [الأنبياء : ٣٧] كما تقدم.
وقوله تعالى : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) عطف على (لا يَكُفُّونَ) أي لا يكف عنهم نفح النار ، أو لا يدفعون عن أنفسهم نفح النار ولا يجدون لهم ناصرا ينصرهم فهم واقعون في ورطة العذاب. وفي هذا إيماء إلى أنهم ستحل بهم هزيمة بدر فلا يستطيعون خلاصا منها ولا يجدون نصيرا من أحلافهم.
و (بل) للإضراب الانتقالي من تهويل ما أعد لهم ، إلى التهديد بأن ذلك يحل بهم بغتة وفجأة ، وهو أشدّ على النفوس لعدم التهيّؤ له والتوطن عليه ، كما قال كثيّر :