من غير أن يظلم أحد» ه. أي فهو مستعار للعدل في الجزاء لمشابهته للميزان في ضبط العدل في المعاملة كقوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) [الحديد : ٢٥].
والوضع : ترشيح ومستعار للظهور.
وذهب الأشاعرة إلى أخذ الميزان على ظاهره.
وللمعتزلة في ذلك قولان ففريق قالوا : الميزان حقيقة ، وفريق قالوا : هو مجاز. وقد ذكر القولين في «الكشاف» فدل صنيعه على أن القولين جاريان على أقوال أئمتهم وصرح به في «تقرير المواقف».
وفي «المقاصد» : «ونسبة القول بانتفاء حقيقة الميزان إلى المعتزلة على الإطلاق قصور من بعض المتكلمين» ه.
قلت : لعلّه أراد به النسفيّ في «عقائده».
قال أبو بكر بن العربي في كتاب «العواصم من القواصم» : «انفرد القرآن بذكر الميزان ، وتفردت السنة بذكر الصراط والحوض ، فلما كان هذا الأمر هكذا اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال إن الأعمال توزن حقيقة في ميزان له كفّتان وشاهين وتجعل في الكفتين صحائف الحسنات والسيئات ويخلق الله الاعتماد فيها على حسب علمه بها. ومنهم من قال إنما يرجع الخبر عن الوزن إلى تعريف الله العباد بمقادير أعمالهم. ونقل الطبري وغيره عن مجاهد أنه كان يميل إلى هذا.
وليس بممتنع أن يكون الميزان والوزن على ظاهره وإنما يبقى النظر في كيفية وزن الأعمال وهي أعراض فها هنا يقف من وقف ويمشي على هذا من مشى. فمن كان رأيه الوقوف فمن الأول ينبغي أن يقف ، ومن أراد المشي ليجدنّ سبيلا مئتاء (١) إذ يجد ثلاثة معان ميزانا ووزنا وموزونا ، فإذا مشى في طريق الميزان والوزن ووجده صحيحا في كلّ لفظة حتى إذا بلغ تمييز الموزون ولم يتبين له لا ينبغي أن يرجع القهقرى فيبطل ما قد أثبت بل يبقي ما تقدم على حقيقته وصحته ويسعى في تأويل هذا وتبيينه اه.
وقلت : كلا القولين مقبول والكلّ متفقون على أن أسماء أحوال الآخرة إنما هي تقريب لنا بمتعارفنا والله تعالى قادر على كل شيء. وليس بمثل هذه المباحث تعرف قدرة
__________________
(١) بكسر الميم وبهمزة ساكنة بعدها ومد في آخره : الطريق العام المسلوك.