طرفيه عروتان يشد بكل واحدة منهما طبق من الطبقين يسمى ذلك العود (شاهين) وهو موضوع ممدودا ، وتجعل بوسطه على السواء عروة لتمسكه منها يد الوازن ، وربما جعلوا تلك العروة مستطيلة من معدن وجعلوا فيها إبرة غليظة من المعدن منوطة بعروة صغيرة من معدن مصوغة في وسط (الشاهين) فإذا ارتفع الشاهين تحركت تلك الإبرة فإذا ساوت وسط العروة الطويلة على سواء عرف اعتدال الوزن وإن مالت عرف عدم اعتداله ، وتسمى تلك الإبرة لسانا ، فإذا أريد وزن شيئين ليعلم أنهما مستويان أو أحدهما أرجح وضع كلّ واحد منهما في كفّة ، فالتي وضع فيها الأثقل منهما تنزل والأخرى ذات الأخف ترتفع وإن استويتا فالموزونان مستويان ، وإذا أريد معرفة ثقل شيء في نفسه دون نسبته إلى شيء آخر جعلوا قطعا من معدن : صفر أو نحاس أو حديد أو حجر ذات مقادير مضبوطة مصطلح عليها مثل الدرهم والأوقية والرّطل ، فجعلوها تقديرا لثقل الموزون ليعلم مقدار ما فيه لدفع الغبن في التعاوض ، ووحدتها هو المثقال ، ويسمى السّنج ـ بفتح السين المهملة وسكون النون بعدها جيم ـ.
والقسط ـ بكسر القاف وسكون السين ـ اسم المفعول ، وهو مصدر وفعله أقسط مهموزا. وتقدم في قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) في [سورة آل عمران : ١٨].
وقد اختلف علماء السلف في المراد من الموازين هنا : أهو الحقيقة أم المجاز ، فذهب الجمهور إلى أنه حقيقة وأن الله يجعل في يوم الحشر موازين لوزن أعمال العباد تشبه الميزان المتعارف ، فمنهم من ذهب إلى أن لكل أحد من العباد ميزانا خاصا به توزن به أعماله ، وهو ظاهر صيغة الجمع في هذه الآية وقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) في [سورة القارعة : ٦ ـ ٧].
ومنهم من ذهب إلى أنه ميزان واحد توزن فيه أعمال العباد واحدا فواحدا ، وأنه بيد جبريل ، وعليه فالجمع باعتبار ما يوزن فيها ليوافق الآثار الواردة في أنه ميزان عام.
واتفق الجميع على أنه مناسب لعظمة ذلك لا يشبه ميزان الدنيا ولكنه على مثاله تقريبا. وعلى هذا التفسير يكون الوضع مستعملا في معناه الحقيقي وهو النصب والإرصاد.
وذهب مجاهد وقتادة والضحّاك وروي عن ابن عباس أيضا أن الميزان الواقع في القرآن مثل للعدل في الجزاء كقوله (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) في [سورة الأعراف : ٨] ، ومال إليه الطبري. قال في «الكشاف» : «الموازين الحساب السوي والجزاء على الأعمال بالنّصفة