وتنوين (كُلًّا) عوض عن المضاف إليه. والمعنى : وكلّهم جعلنا صالحين ، أي أصلحنا نفوسهم. والمراد إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، لأنهم الذين كان الحديث الأخير عنهم. وأما لوط فإنما ذكر على طريق المعية وسيخص بالذكر بعد هذه الآية.
وإعادة فعل «جعل» في قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) دون أن يقال : وأئمة يهدون ، بعطف (أَئِمَّةً) على (صالِحِينَ) ، اهتماما بهذا الجعل الشريف ، وهو جعلهم هادين للناس بعد أن جعلهم صالحين في أنفسهم فأعيد الفعل ليكون له مزيد استقرار.
ولأن في إعادة الفعل إعادة ذكر المفعول الأول فكانت إعادته وسيلة إلى إعادة ذكر المفعول الأول.
وفي تلك الإعادة من الاعتناء ما في الإظهار في مقام الإضمار كما يظهر بالذوق.
والأئمة : جمع إمام وهو القدوة والذي يعمل كعمله. وأصل الإمام المثال الذي يصنع الشيء على صورته في الخير أو في الشر.
وجملة (يَهْدُونَ) في موضع الحال مقيدة لمعنى الإمامة ، أي أنهم أئمة هدى وإرشاد.
وقوله (بِأَمْرِنا) أي كانوا هادين بأمر الله ، وهو الوحي زيادة على الجعل. وفي «الكشاف» : «فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله فالهداية محتومة عليه مأمور هو بها ليس له أن يخل بها ويتثاقل عنها. وأول ذلك أن يهتدي بنفسه لأن الانتفاع بهداه أعم والنفوس إلى الاهتداء بالمهدي أميل» اه.
وهذا الهدي هو تزكية نفوس الناس وإصلاحها وبث الإيمان ويشمل هذا شئون الإيمان وشعبه وآدابه.
وأما قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) فذلك إقامة شرائع الدين بين الناس من العبادات والمعاملات. وقد شملها قوله تعالى (فِعْلَ الْخَيْراتِ).
و (فِعْلَ الْخَيْراتِ) مصدر مضاف إلى (الْخَيْراتِ) ، ويتعين أنه مضاف إلى مفعوله لأن الخيرات مفعولة وليست فاعلة فالمصدر هنا بمنزلة الفعل المبني للمجهول لأن المقصود هو مفعوله ، وأما الفاعل فتبع له ، أي أن يفعلوا هم ويفعل قومهم الخيرات ،