دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) [النحل : ٧٣].
والاستفهام في قوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ) إنكاري. و (مَنْ) عامة في كل من يسند إليه الخبر. فالمعنى : لا أحد يحيي العظام وهي رميم. فشمل عمومه إنكارهم أن يكون الله تعالى محييا للعظام وهي رميم ، أي في حال كونها رميما.
وجملة (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ) بيان لجملة (ضَرَبَ لَنا مَثَلاً) كقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ) [طه : ١٢٠] الآية ، فجملة (قالَ يا آدَمُ) بيان لجملة (فَوَسْوَسَ).
والنسيان في قوله : (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) مستعار لانتفاء العلم من أصله ، أي لعدم الاهتداء إلى كيفية الخلق الأول ، أي نسي أننا خلقناه من نطفة ، أي لم يهتد إلى أن ذلك أعجب من إعادة عظمه كقوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥].
وذكر النطفة هنا تمهيد للمفاجأة بكونه خصيما مبينا عقب خلقه ، أي ذلك الهيّن المنشأ قد أصبح خصيما عنيدا ، وليبني عليه قوله بعد : (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) أي نسي خلقه الضعيف فتطاول وجاوز ، ولأن خلقه من النطفة أعجب من إحيائه وهو عظم مجاراة لزعمه في مقدار الإمكان ، وإن كان الله يحيي ما هو أضعف من العظام فيحيي الإنسان من رماده ، ومن ترابه ، ومن عجب ذنبه ، ومن لا شيء باقيا منه.
والرميم : البالي ، يقال : رمّ العظم وأرمّ ، إذا بلي فهو فعيل بمعنى المصدر ، يقال : رمّ العظم رميما ، فهو خبر بالمصدر ، ولذلك لم يطابق المخبر عنه في الجمعية وهي بلىّ.
وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقول له (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) أمر بجواب على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل استفهام القائل على خلاف مراده لأنه لما قال : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) لم يكن قاصدا تطلب تعيين المحيي وإنما أراد الاستحالة ، فأجيب جواب من هو متطلب علما. فقيل له : (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ). فلذلك بني الجواب على فعل الإحياء مسندا للمحيي ، على أن الجواب صالح لأن يكون إبطالا للنفي المراد من الاستفهام الإنكاري كأنه قيل : بل يحييها الذي أنشأها أول مرة. ولم يبن الجواب على بيان إمكان الإحياء وإنما جعل بيان الإمكان في جعل المسند إليه موصولا لتدل الصلة على الإمكان فيحصل الغرضان ، فالموصول هنا إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو يحييها ، أي