والأيادي والأيدي فيه جمع يد. واليد بمعنى الطريق.
والمعنى : أنهم ذهبوا في مذاهب شتّى يسلكون منها إلى أقطار عدة كقوله تعالى : (نَّا طَرائِقَ قِدَداً) [الجن : ١١]. وقيل : الأيادي جمع يد بمعنى النعمة لأن سبا تلفت أموالهم.
وكانت سبأ قبيلة عظيمة تنقسم إلى عشر أفخاذ وهم : الأزد ، وكندة ، ومذحج ، والأشعريون ، وأنمار ، وبجيلة ، وعاملة ، وهم خزاعة ، وغسان ، ولخم ، وجذام.
فلما فارقوا مواطنهم فالستة الأولون تفرقوا في اليمن والأربعة الأخيرون خرجوا إلى جهات قاصية فلحقت الأزد بعمان ، ولحقت خزاعة بتهامة في مكة ، ولحقت الأوس والخزرج بيثرب ، ولعلهم معدودون في لخم ، ولحقت غسان ببصرى والغوير من بلاد الشام ، ولحقت لخم بالعراق.
وقد ذكر أهل القصص لهذا التفرق سببا هو أشبه بالخرافات فأعرضت عن ذكره ، وهو موجود في كتب السير والتواريخ. وعندي أن ذلك لا يخلو من خذلان من الله تعالى سلبهم التفكر في العواقب فاستخفّ الشيطان أحلامهم فجزعوا من انقلاب حالهم ولم يتدرّعوا بالصبر حين سلبت عنهم النعمة ولم يجأروا إلى الله بالتوبة فبعثهم الجزع والطغيان والعناد وسوء التدبير من رؤسائهم على أن فارقوا أوطانهم عوضا من أن يلموا شعثهم ويرقعوا خرقهم فتشتتوا في الأرض ، ولا يخفى ما يلاقون في ذلك من نصب وجوع ونقص من الأنفس والحمولة والأزواد والحلول في ديار أقوام لا يرثون لحالهم ولا يسمحون لهم بمقاسمة أموالهم فيكونون بينهم عافين.
وجملة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) تذييل فلذلك قطعت ، وافتتاحها بأداة التوكيد للاهتمام بالخبر. والمشار إليه بذلك هو ما تقدم من قوله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي) مساكنهم آية [سبأ : ١٥].
ويظهر أن هذا التذييل تنهية للقصة وأن ما بعد هذه الجملة متعلق بالغرض الأول المتعلق بأقوال المشركين والمنتقل منه إلى العبرة بداود وسليمان والممثّل لحال المشركين فيه بحال أهل سبا.
وجمع «الآيات» لأن في تلك القصة عدة آيات وعبر فحالة مساكنهم آية على قدرة الله ورحمته وإنعامه ، وفيه آية على أنه الواحد بالتصرف ، وفي إرسال سير العرم عليهم آية