للتفصيل بعد الإجمال تمكينا للصفة في النفس كما في قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤]. والمراد أن الرحمة والعلم وسعا كل موجود ، الآن ، أي في الدنيا وذلك هو سياق الدعاء كما تقدم آنفا ، فما من موجود في الدنيا إلا وقد نالته قسمة من رحمة الله سواء في ذلك المؤمن والكافر والإنسان والحيوان.
و (كُلَّ شَيْءٍ) كل موجود ، وهو عام مخصوص بالعقل بالنسبة للرحمة ، أي كل شيء محتاج إلى الرحمة ، وتلك هي الموجودات التي لها إدراك تدرك به الملائم والمنافر والنافع والضار ، من الإنسان والحيوان ، إذ لا فائدة في تعلق الرحمة بالحجر والشجر ونحوهما. وأما بالنسبة إلى العلم فالعموم على بابه قال تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك : ١٤].
ولما كان سياق هذا الدعاء أنه واقع في الدنيا كما تقدم اندفع ما عسى أن يقال إن رحمة الله لا تسع المشركين يوم القيامة إذ هم في عذاب خالد فلا حاجة إلى تخصيص عموم كل شيء بالنسبة إلى سعة الرحمة بمخصصات الأدلة المنفصلة القاضية بعدم سعة رحمة الله للمشركين بعد الحساب.
وتفرع على هذه التوطئة بمناجاة الله تعالى ما هو المتوسّل إليه منها وهو طلب المغفرة للذين تابوا لأنه إذا كان قد علم صدق توبة من تاب منهم وكانت رحمته وسعت كلّ شيء فقد استحقوا أن تشملهم رحمته لأنهم أحرياء بها.
ومفعول (فَاغْفِرْ) محذوف للعلم ، أي اغفر لهم ما تابوا منه ، أي ذنوب الذين تابوا. والمراد بالتوبة : الإقلاع عن المعاصي وأعظمها الإشراك بالله.
واتباع سبيل الله هو العمل بما أمرهم واجتناب ما نهاهم عنه ، فالإرشاد يشبه الطريق الذي رسمه الله لهم ودلهم عليه فإذا عملوا به فكأنهم اتبعوا السبيل فمشوا فيه فوصلوا إلى المقصود.
(وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) عطف على (فَاغْفِرْ) فهو من جملة التفريع فإن الغفران يقتضي هذه الوقاية لأن غفران الذنب هو عدم المؤاخذة به. وعذاب الجحيم جعله الله لجزاء المذنبين ، إلا أنهم عضدوا دلالة الالتزام بدلالة المطابقة إظهارا للحرص على المطلوب. والجحيم : شدة الالتهاب ، وسميت به جهنم دار الجزاء على الذنوب.
[٨ ـ ٩] (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ