ويعادى إذا أعيد ، ولذا وصف رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن : «بأنه لا يخلق على كثرة الرد». رواه الترمذي عن علي بن أبي طالب مرفوعا.
وذكر عياض أن الوليد بن المغيرة سمع من النبي صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] الآية فقال : «والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة». وبهذا تعلم أن وصف القرآن هنا بكونه مثاني هو غير الوصف الذي في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [الحجر : ٧٨] لاختلاف ما أريد فيه بالتثنية وإن كان اشتقاق الوصف متّحدا.
ووصف (كِتاباً) وهو مفرد بوصف (مَثانِيَ) وهو مقتض التعدد يعيّن أن هذا الوصف جرى عليه باعتبار أجزائه ، أي سوره أو آياته باعتبار أن كل غرض منه يكرر ، أي باعتبار تباعيضه.
الصفة الخامسة : أنه تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم ، وهذا الوصف مرتب على الوصف قبله وهو كون القرآن مثاني ، أي مثنّى الأغراض ، وهو مشتمل على ثلاث جهات :
أولاها : وصف القرآن بالجلالة والروعة في قلوب سامعيه ، وذلك لما في آياته الكثيرة من الموعظة التي توجل منها القلوب ، وهو وصف كمال لأنه من آثار قوة تأثير كلامه في النفوس ، ولم يزل شأن أهل الخطابة والحكمة الحرص على تحصيل المقصود من كلامهم لأن الكلام إنما يواجه به السامعون لحصول فوائد مرجوة من العمل به ، وما تبارى الخطباء والبلغاء في ميادين القول إلا للتسابق إلى غايات الإقناع ، كما قال قيس بن خارجة ، وقد قيل له : ما عندك؟ «عندي قرى كل نازل ، ورضى كل ساخط ، وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب ، آمر فيها بالتواصل وأنهى عن التقاطع». وقد ذكر أرسطو في الغرض من الخطابة أنه إثارة الأهواء وقال : «إنها انفعالات في النفس تثير فيها حزنا أو مسرة».
وقد اقتضى قوله : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أن القرآن يشتمل على معان تقشعر منها الجلود وهي المعاني الموسومة بالجزالة التي تثير في النفوس روعة وجلالة ورهبة تبعث على امتثال السامعين له وعملهم بما يتلقونه من قوارع القرآن وزواجره ، وكنّي عن ذلك بحالة تقارن انفعال الخشية والرهبة في النفس لأن الإنسان إذا